٤٥٠٣ قَبَائِلُ مِنْ شُعُب لَيْس فِيهم كَريمٌ قَدْ يُعَدُّ ولاَ نَجِيبُ
والنسبة إلى الشّعب شَعُوبِيَّة بفتح الشين وهم جيل يبغضون العرب ودون القبائل العمائر واحدتها عَمَارة فتح العين وهم كشَيْبَان مِنْ بكر ودَرِم من تميم، وَدُونَ العَمَائر البُطُون واحدتها بَطْن وهم كبَنِي هاشم وأمية من بني لُؤَيّ. ثم الفصائل والعشائر واحتها فَصِيلة وعَشيرة.
وقال أبو رَوْق : الشعوب الذين لا يعتزون إلى أحد بل يَنْتَسبون إلى المَدَائن والقُرَى والقَبَائل العرب الذي ينتسبون إلى آبائهم.
قوله :« لِتَعَارفُوا » العامة على تخفيف التاء، والأصل : لتتعارفُوا فحذف إحدى التاءين. والبَزِّي بتشديدها وقد تقدم ذلك في البَقَرة، واللام مُتَلِّقة « بجَعَلْنَاكُم ».
وقرأ الأعْمِ بتاءين وهو الأصل الذي أدغمه البزّي، وحذفه الجمهور، وابن عباس لتَعْرِفُوا مضارع عَرَفَ.

فصل


المعنى ليعرفَ بعضُكم بعضاً في قُرْب النسب وبعده لا لِتَفَاخَرُوا. وقال في أول الآية : خَلَقْنَاكُم وقال ههنا : وجَعَلْنَاكم شُعُوبا، لأن الخلق أصل تفرع عليه الجعل والإيجاد لأجل العبادة، كما قال تعالى :﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [ الذاريات : ٥٦ ]، والجَعْلَ شعوباً للتعارف، والأصل متقدم على الفرع فتعتبر العبادة قبل اعتبار النسب، لأن اعتبار الجعل شعوباً إنما يتحقق بعد تَحَقُّقِ الخلق، وفي هذا إشارة إِلى أَنَّه إن كان فيكم عبادة فتُعْتَبَرُ، وإلا فلا اعتبار لأنْسَابِكُمْ.
فإن قيل : الهداية والضلال كذلك كقوله تعالى :﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل ﴾ [ الإنسان : ٣ ] ﴿ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ ﴾ [ النحل : ٩٣ ].
فالجواب : أن الله تعالى أثبت لنا فيه كسباً مَبْنيًّا على فعل لقوله تعالى :﴿ فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾ [ الإنسان : ٢٩ ] ثم قال :﴿ وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله ﴾ [ الإنسان : ٣٠ ] وأما في النسب فلا.
قوله :﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ ﴾ أخبر تعالى أن أرفعهم منزلةً عند الله أتقاهم. وقال قتادة في هذه الآية : أكْرَمُ الكَرَمِ التقوى وألأَمُ اللُّؤم الفجور. وقال ﷺ :« الحَسَبُ المَالُ والكَرَمُ التَّقْوَى » وقال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) : كرم الدنيا الغِنَى وكرم الآخرة التقوى. وعن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) قال :« سئل رسول الله ﷺ : أيُّ الناس أكرمُ؟ قال : أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللهِ أَتقَاهُمْ، قالوا : عن هذا نسألك قال : فأكرمُ الناسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللهِ ابْنُ نَبِيِّ الله ابْنِ خَلِيلِ الله قالوا : لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قال : فَعَنْ مَعَادِن العَرَبِ تَسْأَلُونِي؟ قالوا : نَعَم قال : خِيارُكُم في الجَاهِليَة خيارُكُم في الإسْلاَم إذا فَقِهُوا. وقال :ﷺ : إنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إلَى صُورَكُمْ وَلكِنْ يَنْظُرُ إِلى قُلُوبِكُمْ ».

فصل


قرأ العامة : إنَّ أَكْرَمَكُمْ بكسر « إنّ » وابن عباس بفتحها، فإن جعلت اللام لام الأمر وفيه بُعْدٌ صَحَّ أن يكون قوله :« أنَّ أَكْرَمَكُمْ » بالفتح مفعول العِرْفَان فإن أمرهم أن يعرفوا وإن جعلتها للعلّة لم يظهر أن يكون مفعولاً، لأنه لم يجعلهم شعوباً وقبائل ليعفروا ذلك، فينبغي أن يكون المفعول محذوفاً واللام للعلة أي لِتَعْرِفُوا الحقَّ لأنَّ أَكْرَمَكُمْ.


الصفحة التالية
Icon