فصل
قال :﴿ تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ﴾ فقيّد العبد بكونه منيباً، لأنّ العبودية حصلت لكل أحد غير أن المنيب يأكل ذاكراً شاكراً للإنعام وغيره يأكل كما تأكل الأنْعام، فلم يخصص بقيدٍ.
قوله :« فَأَحْيَيْنَا بِهِ » أي بالماء و « مَيْتاً » صفة ل « بَلْدَةً » ولم يؤنث حملاً على معنى المكان. والعامة على التخفيف. وأبو جعفر وخالد بالتَّثْقِيلِ.
فإن قيل : ما الفرق بين هذا الموضع وبين قوله :﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ الأرض الميتة ﴾ [ يس : ٣٣ ] حيث أثبت ( الهاء ) هناك؟
فالجواب : أن الأصل في الأرض الوصف فقال الميتة، لأن معنى الفاعلية ظاهرٌ هناك والبلدة الأصل فيها الحياة لأن الأرض إذا صارت حية صارت آهلة وأقام بها القوم وعَمَرُوهَا فصارت بلدة فأسقط الهاء لأن معنى الفاعلية ظاهر فيثبت فيه الهاء، وإذا كان بمعنى الفاعل لم يظهر لا يثبت فيه الهاء، ويحقق هذا قوله :﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ﴾ [ سبأ : ١٥ ] حيث أثبت الهاء حيث ظهر معنى الفاعلية ولم يثبت حيث لم يظهر.
قوله :« كَذَلِكَ الْخُرُوجُ » أي من القبور أي كالإحياء الخروج.
فإن قيل : الإحياء يشبه به الإخراج لا الخروج؟
فالجواب : تقديره أحيينا به بلدةً ميْتاً فتشققت وخرج منها النبات كذلك تَتَشققُ ويخرج منها الأموات.
قال ابن الخطيب : وهذا يؤكد قولنا : إن الرَّجْعَ بمعنى الرجوع في قوله :﴿ ذلك رجع بعيد ﴾ ؛ لأنه تعالى بين لهم ما استبعدوه فلو استبعدوا الرجع الذي هو من المتعدي لناسبهُ أن يقول : كذلك الإخراج فلما قال : كذلك الخروج فهم أنهم أنكروا الرجوع فقال : كذلك الرجوع والخروج.