قوله :﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ ﴾ أي غمرته وشدته التي تغشى الإنسان وتجلب على عقله.
قوله :« بالْحَقِّ » يجوز أن تكون الباء للحال أي مُلْتَبسةً بالحقّ والمعنى بحقيقة الموت، ويجوز أن تكون للتعدية والمراد منه الموت فإنه حق كأن شدة الموت تحضر الموت، يقال : جاء فلان بكذا أي أحضره، وقيل : بالحق من أمر الآخرة حتى يتبينه الإنسان ويراه بالعَيَان. وقيل : بما يَؤُول إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاوة.
وقرأ عبد الله : سَكَرَاتُ.
ويقال لمن جاءته سكرة الموت : ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تحيد أي تميل، من حَادَ عن الشيء يَحِيدُ حُيُوداً وحُيُودَةً وحَيْداً. وقال الحسن : تهرب، وقال ابن عباس - ( رضي الله عنهما - ) تكره وأصل الحَيْدِ : الميلُ، يقال : حُدْتُ عن الشيء أَحِيدُ حَيْداً ومَحِيداً إذا مِلْت عنه، و « ذلك » يحتمل أن يكون إشارة إلى الموت وأن يكون إشارة إلى الحق. والخطاب قيل مع النبي - ﷺ -. قال ابن الخطيب : وهو مُنْكَر، وقيل : مع الكافر. وهو أقرب. والأقْوى أن يقال : هو خطاب عامٌّ مع السامع.
قوله :﴿ وَنُفِخَ فِي الصور ﴾ عطف على قوله :﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ ﴾ يعني نفخة البعث ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ الوعيد ﴾ الذي وعد الكفار أن يعذبهم فيه. قال الزمخشري :« ذلك » إشارة إلى المصدر الذي هو قوله :« وَنُفِخَ » أي وقت ذلك النفخ يوم الوعيد. قال ابن الخطيب : وهذا ضعيفٌ؛ لأن « يوم » لو كان منصوباً لكان ما ذكره ظاهراً، وأما رفع « يوم » فيفيد أن ذلك نفس اليوم، والمصدر لا يكون نفس الزمان وإنما يكون في الزمان.
فالأولى أن يقال :« ذلك » إشارة إلى الزمان المفهوم من قوله :« ونفخ » لأن الفعل كما يدل على المصدر يدل على الزمان فكأنه قال تعالى : ذلك الزمان يوم الوعيد، والوعيد هو الذي أَوْعَدَ به من الحَشر، والمجازاة.
قوله :﴿ وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾ قيل : السائق هو الذي يسوقه إلى الموقف ومنْه إلى مقعده، والشهيدُ هو الكاتب. والسائق لازم للبرِّ والفَاجِرِ، أما البَرُّ فيساق إلى الجنة وأما الفاجر فإلى النار، قال تعالى :﴿ وَسِيقَ الذين كفروا إلى جَهَنَّمَ... وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ إِلَى الجنة ﴾ [ الزمر : ٧١ - ٧٣ ]، والشهيد يشهد عليها بما عملت. قال الضحاك : السائق من الملائكة والشاهد من أنفسهم الأيدي والأرجل، وهي رواية العَوْفي عن ابن عباس. وقيل : هما جميعاً من الملائكة.
قوله :« مَعَهَا سَائِقٌ » جملة في موضع جر صفة « لِنَفسٍ » أو في موضع رفع صفة « لكُلّ » أو في موضع نصب حالاً من « كُلّ ». والعامة على عدم الإدغام في « معها » وطلحة على الإدغام « مَحَّا » بحاءٍ مشددة، وذلك أنه أدغم العين في الهاء، ولا يمكن ذلك فقلبت الهاء حاء ثم أدغم فيها العين فقلبها حاءً.