قوله تعالى :﴿ وَفِي الأرض آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ ﴾ إذا ساروا فيها من الجبال والبحار والثمار وأنواع النبات تدلهم على أن الحَشْرَ كائن كقوله تعالى :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرض خَاشِعَةً ﴾ [ فصلت : ٣٩ ]، ويحتمل أن يكون المعنى : وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ تَدُلُّ على مُدَبِّرٍ قادرٍ قاهرٍ يجب أن يُعْبَدَ ويُحْذَرَ.
فإن قيل : كيف خصص الآيات بالمُوقنينَ، ولم يُخَصِّصْ في قوله :﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ الأرض الميتة أَحْيَيْنَاهَا ﴾ [ يس : ٣٣ ] ؟
فالجواب : أن القَسَمَ إنما يكون مع المعَانِدِ في البرهان، فهو لا ينتفع بالآيات وإنما ينتفع بها المُوقِنُونَ فلذلك أقسم ههنا فقال :﴿ فَوَرَبِّ السمآء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾ وفي سورة يس لم يؤكد ذلك بالقسم الدال على المعاند. أو يقال : أطلقت هناك باعتبار حصولها وخصصت هنا باعتبار المنفعة بها. وجمعت « الآيات » هنا، لأن المُوقن يتنبه لأمور كثيرة، وكذلك قوله : وَفِي أَنْفُسِكُمْ آيات دالة على ذلك إذ كانت نطفةً ثم علقةً، ثم مضغةً، ثم عظاماً، إلى أن ينفخ فيها الرُّوح.
وقال عطاء عن ابن عباس - ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ) : يريد اختلاف الأَلْسنة والصور والألوان والطبائع.
وقال ابن الزُّبَيْر : يريد سبيل البول والغائط يَأكُلُ ويَشْرَبُ من مَدْخَلٍ واحد ويَخْرج من سِبِيلَيْنِ.
وقوله : أفلا تبصرون « قال مقاتل : أفلا تبصرون كيف خلقكم فتعرفوا قدرته على البعث؟
قوله :» وفي أنفسكم « نَسَقٌ على ( مَا ) » في الأرض « فهو خبر عن » آيات « أيضاً، والتقدير : وفي الأرض وفي أنفسكم آيات.
وقال أبو البقاء : وَمَنْ رَفَعَ بالظرف جعل ضمير » الآيات « في الظرف. يعني من يرفع الفاعل بالظرف مطلقاً أي وإن لم يعتمد يرفع بهذا الجار فاعلاً هو ضمير » آيات «.
وجوز بعضُهم أن يتعلق ب » يُبْصِرُونَ «. وهو فاسدٌ؛ لأن الاستفهام والفاء يمنعان جَوَازَهُ.
وقرأ قتادة :» آية « بالإفراد، وقوله :» فِي أنْفُسِكُمْ « يُحْتَمَلُ أن يكون المراد فِيكُمْ، يقال : الحجارة في نفسها صُلْبَة، ولا يراد بها النفس التي هي مَنْبعُ الحياة والحِسّ والحَرَكَات. ويحتمل أن يكون المراد وفي نفوسكم التي بها حياتكم آيات وقوله :» أَفَلاَ تُبْصِرُونَ « بالاستفهام إشارة إلى ظهورها.
قوله :﴿ وَفِي السمآء رِزْقُكُمْ ﴾ أي سبب رزقكم. وقرأ حُمَيْدٌ وابنُ مُحَيْصن : رازِقُكُمْ اسم فاعل، والله تعالى متعالٍ عَنِ الجِهّةِ. قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل : يعني بالرزق : المطر؛ لأنه سبب الأَرزاق. وقيل : في السماء رزقكم مكتوب، وقيل : تقدير الأرزاق كلها من السماء، ولولاه لما حصل في الأرض حبَّة قُوتٍ.
قوله :» وَمَا تُوعَدُونَ « قال عطاء : من الثَّوَاب والعِقَاب، وقال مجاهد : من الخَيْر والشَّرِّ. وقال الضحاك : وما توعدون من الجَنَّة والنار فيكون المعنى على هذا : وما توعدون لحقّ، كقوله :