وتقدم الكلام على فائدة تقديم البشارة.
قوله :« فَرَاغَ » أي عدل ومال « إلى أَهْلِهِ »، وقوله :« فَجَاءَ » عطف على « فَرَاغَ » وتسببه عنه واضح « بِعِجْلٍ سَمِينٍ » أي مشويّ كقوله في مكان آخر :﴿ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ [ هود : ٦٩ ]. « فَقَرَّبَهُ إلَيْهِمْ » ليأكلوا، فلم يأكلوا قَالَ أَلاَ تَأْكُلُون والهمزة في « أَلاَ تَأْكُلُونَ » للإنكار عليهم في عدم أكلهم، أو للعرض، أو للتحضيض.
﴿ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ ﴾.
قوله تعالى :﴿ فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ ﴾ قيل : لم يكن ذلك إقبالاً من مكان إلى مكان، وإنما هو كقول القائل : أقبل يَشْتُمُنِي بمعنى أخذ في شَتْمِي، أي أخذت تُوَلْوِلُ، لقوله :﴿ قَالَتْ ياويلتى ﴾ [ هود : ٧٢ ]، وذلك أنها كانت مع زوجها في خدمتهم، فلما تكلموا مع زوجها بولادتها استحت وأعرضت عنهم، فذكر الله تعالى ذلك بلفظ الإقبال على الأهل، ولم يقل بلفظ الإدبار عن الملائكة.
قوله :« فِي صَرَّةٍ » يجوز أن يكون حالاً من الفاعل أي كائنةً في صَرَّة. والصَّرة قيل : الصيحة، قال امرؤ القيس :
٤٥٢٧- فَأَلْحَقْنَا بِالْهَادِيَاتِ وَدُونَهُ | جَوَاحِرُهَا فِي صَرَّةٍ لَمْ تَزَيَّلِ |
ويحتمل أن يقال : تلك الصيحة كانت بقولها : يَا وَيْلَتَا، ومحلّها النصب على الحال أي فجاءت صارةً.
ويجوز أن يتعلق ب « أَقْبَلَتْ » أي أقبلت في جماعة نسوةٍ كُنَّ معها، والصَّرة الجماعة من النساء.
قوله :« فَصَكَّتْ وَجْهَهَا » قال ابن عباس - ( رضي الله عنهما ) - : فلطمت وَجْهَهَا. واختلف في صفته فقيل : هو الضرب باليد مبسوطةً. وقيل : بل ضرب الوجه بأطرافِ الأصابع فعل المتعجِّب، وهو عادة النساء إذا أنكرنَ شيئاً. وأصل الصكّ ضرب الشيء بالشيء العَريض.
قوله :« عَجُوزٌ » خبر مبتدأ مضمر أي أنا عجوزٌ عقيمٌ فكيف ألد؟ وتفسرها الآية الأخرى، فاستبعدت ذلك ظنًّا منها أن ذلك منهم على سبيل الدعاء، فكأنها قالت : يا ليتكم دعوتم دعاء قريباً من الإجابة، فأجابوها بأن ذلك من الله تعالى، وأن هذا ليس بدعاء، وإنما هو قول الله ﴿ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ ﴾ ثم دفعوا استبعادها بقولهم :﴿ إِنَّهُ هُوَ الحكيم العليم ﴾.
قوله :« كَذَلِك » منصوب على المصدر ب « قَالَ » الثانية أي مثلُ ذلك القول الذي أخبرناكِ به قال ربُّك، أي إنه من جهة الله فلا تعجبي منه.
قال ابن الخطيب : وقال ههنا : الحكيم العليم وفي سورة ( هود ) : إنَّهُ حَميدٌ مجيدٌ؛ لأن الحكاية في هود أبسطُ فذكروا ما يدفع استبعادها بقولهم :