قوله تعالى :﴿ وَفِي موسى ﴾ فِيهِ أوجه :
أظهرها : أنه عطف على قوله :« فِيهَا » بإعادة الجار؛ لأنَّ المعطُوفَ عَلَيْهِ ضميرٌ مجرورٌ فيتعلق ب « تَرَكْنَا » من حيث المعنى ويكون التقدير : وتَرَكْنَا في قصةِ موسى آية. وهذا واضح.
والثاني : أنه معطوف على قوله :﴿ فِي الأرض آيَاتٌ ﴾ [ الذاريات : ٢٠ ] أي وفي الأرض وفي موسى آياتٌ للموقنين. قاله الزمخشري وابنُ عطية.
قال أبو حيان : وهذا بعيد جدًّا يُنَزَّه القرآن عن مثله.
قال شهاب الدين : وجه استبعاده له بعد ما بينهما، وقد فعل أهل العلم هذا في أكثر من ذلكَ.
والثالث : أنه متعلق ب « جَعَلْنَا » مقدرة، لدلالة :« وَتَرَكْنَا » عليه.
قال الزمخشري : أو على قوله - يعني أو يعطف على قوله - :﴿ وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً ﴾ [ الذاريات : ٣٧ ] على معنى وجعلنا في موسى آية كقوله :

٤٥٢٨- عَلَفْتُهَا تِبْناً ومَاءً بَارِداً .........................
قال أبو حيان : ولا حاجة إلى إضمار :« وَجَعَلْنَا » لأنه قد أمكن أن يكون العامل في المجرور « وتركنا ».
قال شهاب الدين : والزمخشري إنما أراد الوجه الأول بدليل قوله :« وَفِي مُوسَى » معطوف على « وَفِي الأَرْضِ »، أو على قوله :« وَتَرَكْنَا فِيهَا » وإنما قال : على جهة تفسير المعنى لا الإعراب. وإنما أظهر الفعل تنبيهاً على مغايرة الفعلين يعني أن هذا الترك غير ذاك الترك، ولذلك أبرزه بمادة الجَعْل دون مادة الترك ليظهر المخالفة.
الرابع : أن يعطف على ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [ الذاريات : ٢٤ ] تقديره : وفي حديث موسى إذْ أَرْسَلْنَاهُ : وَهُوَ مناسب، لأن الله تعالى جمع كثيراً بين ذكر إبراهيم وموسى - عليهما الصلاة والسلام - ( كقوله تعالى ) :﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ موسى وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى ﴾ [ النجم : ٣٦ - ٣٧ ]، وقال :﴿ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى ﴾ [ الأعلى : ١٩ ] قاله ابن الخطيب.

فصل


المعنى : لك في إبراهيم تسلية وفي موسى، أو لقومك في لوط وقومه عبرة، وفي موسى وفرعون، أو تَفَكَّرُوا في إبراهيم ولوط وقومهما وفي موسى وفرعون. هذا إن عطفناه على ( معْلُوم، وإن عطفناه ) على مذكور فقد تقدم آنفاً. و « السلطان المبين » الحجة الظاهرة.
قوله :« إذْ أَرْسَلْنَاهُ » يجوز في هذا الظرف ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون منصوباً ب « آيَة » على الوجه الأول؛ أي تركنا في قِصة موسى علامةً في وقتِ إرسالنا إيَّاهُ.
الثاني : أنه يتعلق بمحذوف لأنه نعت لآيةٍ، أي آية كائنة في وقت إرسالنا.
الثالث : أنه منصوب ب « تَرَكْنَا ».
قوله :« بِسُلْطَانٍ » يجوز أن يتعلق بنفس الإرسال، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال إما من موسى وإما من ضميره أي ملتبساً بسُلطان وهو الحُجَّة. و « المبين » الفارق بين سِحْر السَّاحِرِين وأمْر المُرْسَلِينَ.


الصفحة التالية
Icon