قوله :﴿ يَوْمَ تَمُورُ السمآء ﴾ يجوز أن يكون العامل فيه :« واقع » أي يقع في ذلك اليوم. وعلى هذا فتكون الجملة المنفية معترضة بين العامل ومعموله. ويجوز أن يكون العامل فيه « دافع ». قاله الحَوْفِيُّ، وأبو البقاء. ومنعه مَكِّيٌّ.
قال أبو حيان : ولم يذكر دليل المنع. قال شهاب الدين : وقد ذكر دليل المنع في الكشف إلا أنه ربما يكون غلطاً عليه فإنه وَهَمٌ، وعبارته قال : العامل فيه واقعٌ أي إن عذاب ربك لَوَاقِعٌ في يوم تَمُورُ السَّماء، ولا يعمل فيه « دافع » ؛ لأن المنفي لا يعمل فيما قبل النّافي، لا يقول : طَعَامَكَ ما زَيْدٌ آكلاً، رفعت آكلاً أو نصبته أو أدخلت عليه الباء. فإن رفعت الطعام بالابتداء وأوقعت « آكلاً » على « هاء » جاز وما بعد الطعام خبراً. انتهى.
وهذا كلام صحيح في نفسه، إلا أنه ليس في الآية شيءٌ من ذلك؛ لأن العامل - وهو دافع - والمعمول - وهو يوم - كلاهما بعد النافي وفي حَيِّزِهِ. وقوله : وأوْقَعْتَ آكلاً على هاء أي على ضمير يعود على الطعام فتقول : طَعَامَكَ مَا زيْدٌ آكِلُه.
وقد يقال : إن وجه المنع من ذلك خوف الوَهَم أنه يفهم أن أحداً يدفع العذاب في غير ذلك اليوم. والغرض أن عذاب الله لا يدفع في كل وقت وهذا أمرٌ مناسب قد ذكر مثلهُ كثيرٌ، ولذلك منع بعضهم أن ينتصب ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ﴾ [ آل عمران : ٣٠ ] بقوله :﴿ والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [ آل عمران : ٢٩ ] لئلا يفهم منه ما لا يليق. وهذا أبعد من هذا في الوَهَم كثير.
وقال أبو البقاء : وقيل : يجوز أن يكون ظرفاً لما دل عليه « فَوَيْلٌ » انتهى.
وقال ابن الخطيب : والذي أظنه أن العامل هو الفعل المدلول عليه بقوله :﴿ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ ﴾ [ الطور : ٨ ] ؛ لأن العذاب الواقع على هذا ينبغي أن يقع في ذلك اليوم، لأن العذاب الذي به التخويف هو الذي بعد الحَشْر ومَوْر السَّماء لأنه في معنى قوله :﴿ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ﴾ [ غافر : ٨٥ ].
فصل
والمَوْرُ الاضطراب والحركة. يقال : مَارَ الشيْءُ أي ذهب وجاء. وقال الأخفش وأبو عبيدةَ تَكْفَأُ وأنشد للأعشى :
٤٥٣٢- كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جَارَتِهَا | مَوْرُ السَّحَابَةِ لاَ رَيْثٌ وَلاَ عَجَلُ |
وأكد بالمصدرية دفعاً للمجاز أي هذان الجرمان العظيمان مع كثافتهما يقع ذلك منهما حقيقة.
وقال ابن الخطيب : فيه فائدة جليلة، وهي أن قوله :« وتَسِيرُ الجِبَالُ » يحتمل أن يكون بياناً لكيفية مور السماء؛ لأن الجبال إذا سارت وسيرت معها سكانها يظهر السماء كالسائرة إلى خلاف تلك الجهة، كما يشاهده راكب السفينة، فإنه يرى الجبلَ الساكن متحركاً فكان لقائل أن يقول : السماء تمُور في رأي العين بسبب سير الجبال كما يَرَى القمرَ سائراً راكبُ السفينة، والسماء إذا كانت كذلك فلا يبقى مَهْرَب ولا مَفْزَع لا في الأرض ولا في السماء.