فصل


لما ذكر أن العذاب واقع بين أنه متى يقع العذاب، فقال : يوم تمور السماء موراً، قال المفسرون : أي تَدُورُ كما يدور الرَّحَا وتَتَكفأ بأهلها تَكَفُّؤَ السَّفِينَةِ.
قال عطاء الخُراسَانيّ : يختلف أجزاؤها بعضها في بعض.
وقيل : تضطرب. ﴿ وَتَسِيرُ الجبال سَيْراً ﴾ فتزول عن أماكنها، وتصير هباءً منثوراً، وهذا إيذان وإعلام بأن لا عود إلى السماء لأن الأرضَ والجبالَ والسماءَ والنجومَ كلها لعمارة الدنيا والانتفاع لبني آدم فإذا لم يبقَ فيها نفع فلذلك أعدمها الله تعالى.
قوله :﴿ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ يومئذ منصوب « بوَيلٍ » والخبر « للمكذبين ». والفاء في قوله « فَوَيْلٌ » قال مكي : جواب الجملة المتقدمة وحسن ذلك، لأن في الكلام معنى الشرط، لأن المعنى إذا كان ما ذُكِرَ فَويْلٌ.
قال ابن الخطيب : أي إذا علم أن عذاب الله واقع، وأنه ليس له دافع فويل إذَنْ للمكذبين؛ فالفاء لاتصال المعنى، ولمعنى آخر وهو الإيذان بأمان أهل الإيمان، لأنه لما قال : إن عذاب ربك لواقع وأنه ليس له دافع لم يبين موقعه بِمَنْ، فلما قال :﴿ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ علم المخصوص ( به ) وهو المكذب.
فإن قيل : إذا قلت بأن قوله :﴿ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ بيان لمن يقع به العذاب فمن لا يكذب لا يعذب فأهل الكبائر لا يعذبون لأنهم لا يُكَذِّبون.
فالجواب : أن ذلك العذاب لا يقع إلا على أهل الكبائر، وإنما هذا كقوله :﴿ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُواْ بلى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا ﴾ [ الملك : ٨ و ٩ ] فالمؤمن لا يُلْقَى فيها إلقاء بهوان، وإنما يُدْخَلُ فيها للتطهير إدْخَالاً مع نوع إكرامٍ، والويل إنما هو للمكَذِّبِينَ.
والويل ينبئ عن الشدة، لأن تركيب حروف الواو والياء واللام لا ينفك عن وُقُوع شدةٍ، ومنه لَوَى إذا دافع ولَوَاه يلويه إِذا فَتَلَهُ فَتْلاً قوياً.
والوَلِيُّ فيه القوة على المُولَى عَلَيْهِ. وقد تقدم وجه جواز التنكير في قوله :« وَيْلٌ » مع كونه مبتدأ؛ لأنه في تقدير المنصوب لأنه دعاء في تفسير قوله تعالى :﴿ قَالَ سَلاَمٌ ﴾ [ الذاريات : ٢٥ ].
قوله :﴿ الذين هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ ﴾ الخَوْضُ : هو الاندفاع في الأباطيل، قال تعالى :﴿ وَخُضْتُمْ كالذي خاضوا ﴾ [ التوبة : ٦٩ ] وقال تعالى :﴿ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخآئضين ﴾ [ المدثر : ٤٥ ].
وتنكير الخوض يحتمل وجهين :
الأول : أن يكون للتكثير أي في خوضٍ عظيم.


الصفحة التالية
Icon