قوله تعالى :﴿ إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ﴾ يجوز أن يكون مستأنفاً، أخبر الله تعالى بذلك بشارة، ويجوز أن يكون من جملة المقول للكفار زيادة في غَمِّهِمْ وتَحَسُّرِهِم. والجنة هي موضع السرور لكن الناطُور قد يكون في البستان الذي هو في غاية الطيبة، فلما قال :« وَنَعِيمٍ » أفاد أنهم فيها متنعمون كما يكون المتفرج لا كما يكون الناطُور والعمال.
وقوله :« فَاكِهِينَ » يريد في ذلك، لأن المتنعم قد يكون آثار النعيم عليه ظاهرة وقلبه مشغول، فلما قال :« فَاكِهينَ » دل على غاية الطيبة.
قوله :« فَاكِهِينَ » هذه قراءة العامة نصب على الحال، والخبر الظرف، وصاحب الحال الضمير المستتر في الظرف.
وقرأ خَالِدٌ :« فاكِهُونَ » بالرفع، فيجوز أن يكون الظرف لغواً، متعلقاً بالخبر ويجوز أن يكون خبراً آخر من عند من يجيز تعداد الخبر.
وقرئ فَكِهينَ مقصوراً، وسيأتي أنه قرأ به في المُطَفِّفِينَ في المتواتر حفصٌ عن عَاصِمٍ.
قوله :« بِمَا آتَاهُمْ » يجوز أن تكون الباء على أصلها وتكون :« ما » حينئذ واقعةً على « الفواكه » التي هي في الجنة أي متلذذين بفاكهةِ الجنة، ويجوز أن تكون بمعنى في أي فيما آتاهم من الثمار وغير ذلك. ويجوز أن تكون « ما » مصدريةً أيضاً.
قوله :« وَوَقَاهُمْ » يجوز فيه أوجه :
أظهرها : أنه معطوف على الصلة أي فَكِهينَ بإيتائِهِم رَبَّهُمْ وبِوقايَتِهِ لهم عذابَ الجَحِيم.
والثاني : أن الجملة حال فتكون « قد » مقدرة عند من يشترط اقترانها بالماضي الواقع حالاً.
الثالث : أن يكون معطوفاً على :« فِي جَنَّاتٍ ». قاله الزمخشري يعني فيكون مخبراً به عن المتقين أيضاً فيكون المراد أنهم فاكهون بأمرين : أَحدِهِمَا : بما آتاهم، والثاني : بأنه وَقَاهُمْ.
والعامة على تخفيف القاف من الوقاية. وأبو حيوة بتَشْدِيدِهَا.
قوله :« كلوا واشربوا » أي يقال لهم كُلُوا واشربوا هنيئاً. وقد تقدم الكلام في :« هَنِيئاً » فِي النِّسَاء.
قال الزمخشري : هنا يقال لهم كلوا واشربوا أكلاً وشُرْباً هنيئاً أو طعاماً وشرباً هنيئاً. وهو الذي لاَ تَنْغَيصَ فِيهِ.
ويجوز أن يكون مثله في قوله :

٤٥٣٣- هَنِيئاً مَرِيئاً غَيْرَ دَاءٍ مُخَامِرٍ لِعَزَّةَ مِنْ أَعْرَاضِنَا مَا اسْتَحَلَّتِ
أعني صفةً استعملت استعمال المصدر القائم مقام الفعل، مرتفعاً به « ما اسْتَحَلَّت » كما يرتفع بالفعل كأنه قيل هَنّأ عَزَّةَ المُسْتَحَلُّ منْ أعْرَاضِنَا، فكذلك معنى « هنيئاً » هُنَا هنّأَكُمُ الأَكْلُ والشُّرْبُ، أو هَنَّأَكُمْ مَا كُنْتُم تَعْملونَ والباء مزيدة كما في « كَفَى بِاللَّهِ » والباء متعلقة بكُلُوا واشْرَبُوا إذا جعلت الفاعل الأكل والشرب. وهذا من محاسن كلامه.
قال أبو حيان : أما تجويزه زيادة الباب فليست بمَقِيسةٍ في الفاعل إلا في فاعل « كَفَى » على خلافٍ فيها فتجويزها هنا لا يسوغ.


الصفحة التالية
Icon