« سألت خديجة النبي - ﷺ - عن ولدين لها ماتا في الجاهلية فقال رسول الله - ﷺ - : هما في النار، فلما رأى الكراهية في وجهها قال : لَوْ رأيتِ مكانَهما لأَبْغَضْتِهِمَا. قالت يا رسول الله : فولدي منك قال : في الجنة. ثم قال رسول الله - ﷺ - :» إِنَّ المُؤْمِنِينَ وَأَوْلاَدَهُمْ فِي الجَنَّةِ وإِنَّ المُشْرِكِينَ وَأَوْلاَدَهُمْ فِي النَّارِ « ثم قرأ رسول الله - ﷺ - :» وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بإيمَانٍ ألْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ «.
قوله :» وَمَا أَلَتْنَاهُمْ « قرأ ابن كثير ألِتْنَاهُمْ بِكَسْرِ اللام. والباقون بفتحها.
فأما الأُولى فمن أَلِتَ يَأْلَتُ بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارغ كَعِلمَ يَعْلَمُ. وأما الثانية : فيحتمل أن تكون من أَلَتَ يَأْلِتُ كَضَرب يَضْرِبُ، وأن يكون من أَلاَتَ يُلِيتُ كَأَمَاتَ يُمِيتُ فألَتْنَاهُمْ كأَمَتْنَاهُمْ.
وقرأ ابْنُ هُرْمُزَ آلَتْنَاهُمْ - بألف بعد الهمزة - على وزن أفْعَلْنَاهُمْ، يقال : آلَتَ يُؤْلِتُ كآمَنَ يُؤْمِنُ. وعبد الله وأُبيّ والأعْمش وطلحةُ - وتُرْوى عن ابن كثيرٍ - لِتْنَاهُمْ بكسر اللام.
قال سهل : لا يجوز فتح اللام من غير ألف بحال، ولذلك أنكر آلَتْنَاهُمْ بالمد وقال : لا يدل عليها لغةٌ ولا تفسيرٌ.
وليس كما زَعَمَ، بل نقلَ أهلُ اللغةِ آلَتَ يُؤْلِتُ.
وقرئ :- ولَتْنَاهُمْ - بالواو - كَوعَدْنَاهُمْ نقلها هارُون. قال ابن خَالَوَيْهِ : فيكون هذا الحرف من لاَتَ يَلِيتُ ووَلَتَ يَلِيت وأَلِتَ يأْلَتُ وأَلَت يأْلِتُ وأَلاَتَ يُلِيتُ، وكلها بِمَعْنَى نَقَصَ.
ويقال : ألت بمعنى غلَّظَ وقام رجل إلى ( أمير المؤمنين ) عُمَرَ يَعِظُهُ فقال له رجل : لاَ تَأْلِتْ أَمِيرَ المؤمنين، أي لا تُغَلِّظْ عليه.
قال شهابُ الدِّين : ويجوز أن يكون هذا الأثر على حاله والمعنى لا تَنْقُصْ أمير المؤمنين حقه؛ لأنه إذا أغلظ القول نقصه حقه.
وفي الضمير في » أَلَتْنَاهُمْ « وَجْهَانِ :
أظهرهما : أنه عائد على » المؤمنين «.
الثاني : أنه عائد على » أَلَتْنَاهُمْ «. قيل : ويقويه قوله تعالى :﴿ كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ ﴾.
قوله :﴿ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ﴾ من شيء مفعول ثان ل » ألتْنَاهُمْ « و » مِنْ « مزيدة؛ والأولى في محل نصب على الحال مِنْ ( شَيْءٍ ) ؛ لأنها في الأصل صفةٌ له، فلما قدمت نصبت حالاً. وجوز أبو البقاء أن يتعلق بِأَلَتْنَاهُمْ.
فصل
في قوله :» وَمَا أَلَتْنَاهُمْ « تطييب لقلبهم، وإزالة وَهَم المتَوهِّم أن ثواب عمل الأب يوزع على الوَالِدِ والوَلَدِ بل للوالد أجْر عَمَلِهِ، ولأولاده مثل ذلك فضلاً من الله ورحمة. وقال : مِنْ عملهم » ولم يقل : من أجرهم لأن قوله : وما ألتناهم من عملهم دليل على بقاء عملهم كما كان، والأجر على العمل مع الزيادة فيكون فيه إشارة إلى بقاء العمل الذي له الأجر الكبير الزائد عليه العظيم العائد إِليه، ولو قال : وَمَا أَلَتْنَاهُمْ من أجرهم لكان ذلك حاصلاً بأدنى شيء، لأن كل ما يعطي الله عبده على عمله فهو أجر كامل، ولأنه لو قال : مَا أَلَتْنَاهُمْ من أجرهم كان مع ذلك يحتمل أن يقال : إن الله تعالى يفضل عليه بالأجر الكامل على العمل الناقص، وأعطاه الأجر الجزيل مع أن عمله كان له ولولده جميعاً.