فإِن قيل : ما الفائدة في تنكير الإيمان في قوله :« وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بإِيمانٍ ألحقنا » ؟.
فالجواب :( هو ) إما للتحقير أو للتكثير كأنه يقول أتبعناهم ذرياتهم بإِيمان مخلصٍ كاملٍ. أو نقول : أتبعناهم بإيمان ما أي شيء منه، فإِن الإِيمانَ كاملاً لا يوجد في الولد، بدليل أنَّ من آمنَ له ولدٌ صغيرٌ حكم بإِيمانه، فإِذا بلغ وصرح بالكفر وأنكر التَّبَعِيَّة قيل : بأنه لا يكون مرتداً وتبيين بقوله أنه لم يُتْبَعْ. وقيل : بأنه يكون مرتداً؛ لأنه كفر بعدما حكم بإِيمانه كولد المسلم الأصلي. فإِذن تبين بهذا الخلاف أنَّ إيمانَه ليس بقويٍّ. ذكر هذين الوجهين الزمخشري.
ويحتمل أن يكون المراد أن يكون التنوينُ للتعويض عن المضاف إِليه كقوله تعالى :﴿ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ﴾ [ الإسراء : ٨٨ ] و [ الزخرف : ٦٧ ] ﴿ وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى ﴾ [ الحديد : ١٠ ] لأن التقدير : أتبعناهم ذرياتهم بإيمان أي بسبب إيمانهم لأن الإِتباع ليس بإيمانٍ كَيْفَ كان وممَّنْ كَانَ وإِنما هو إِيمان الآباء، لكن الإِضافة تُنْبِئُ عن تَقْييد، وعدم كون الإِيمان إيماناً على الإِطلاق، فإن قول القائل : ماءُ الشجر وماءُ الرمان فيصحّ، وإطلاق اسم « ماء » من غير إضافة لا يصح، فقوله :« بإيمانهم » يوهم أنه إيمان مضافٌ إليهم كقوله تعالى :﴿ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ﴾ [ غافر : ٨٥ ] حيث أثبت الإِيمان المضاف فلم يكن إيماناً فقطع الإِضافة مع ردتها ليعلم أنه إيمان صحيحٌ وعوض التنوين ليعلم أنه مضاف لا يوجب الإيمان في الدنيا إلا إيمان الآباء. قال ابن الخطيب : وهَذا وجهٌ حَسَنٌ.
قوله :﴿ كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ ﴾ قال مقاتل : كل امرئ كافر بما عمل من الشرك فهو مرتهن في النار والمؤمن لا يكون مرتهناً لقوله تعالى :﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ أَصْحَابَ اليمين ﴾ [ المدثر : ٣٨ - ٣٩ ]. قال الواحدي : هذا يعود إلى ذكر أهل النار. وهُو قولُ مُجَاهِدٍ أيْضاً.
وقال الزمخشري : هذا عام في كل واحد أنه يكون مرهوناً عند الله بالكسب فإن كَسَبَ خيراً فك رقبته وإلا أغلق الرهن.
قال ابن الخطيب : وفيه وجه آخر وهو أن يكون الرهينُ فَعِيلاً بمعنى الفاعل فيكون المعنى : كل امرئ بما كسب راهن أي دائم إن أحسن ففي الجنة مؤبداً، وإن أساء ففي النار مخلداً؛ لأن في الدنيا دوام الأعمال بدوام الأعيان فإن العَرَض لا يبقى إلا في جوهر فلا يوجد إلا فيه، وفي الآخرة دوام الأعيان بدوام الأعمال فإن الله يبقي أعمالهم لكونها عند الله تعالى من الباقيات الصالحات، وما عند الله باقٍ والباقي يبقى مع عمله.


الصفحة التالية
Icon