قال المفسرون : المسيطرون المسلطون الجَبَّارُون. وقال عطاء : أربابٌ قاهرونَ، فلا يكونوا تحت أمرٍ أو نهي يفعلون ما شَاؤُوا. ويجوز بالسين والصاد جميعاً.
وقرأ العامة : المُصَيْطِرُون بصاد خالصة من غير إشْمَامِها زاياً لأجل الطاء كما تقدم في :« صراط » [ الفاتحة : ٧ ].
وقرأ هشامٌ وقُنْبُلٌ من غير خلاف عنهما بالسين الخالصة التي هي الأصل وحفصٌ بخلافٍ عنه.
وقرأ خلاَّدٌ بصاد مشمَّةٍ زاياً من غير خلاف عنه. وقرأ خلادٌ بالوجهين أعني كخَلَفٍ والعامَّةِ. وتوجيه هذه القراءات واضحٌ مما تقدم في أول الفاتحة، ولم يأتِ على « مُفَيْعِلٍ » إلا خمسة ألفاظ، أربعةٌ صفةٌ اسمُ فاعل نحن مُهَيْمِن ومُبَيْقِر، ومُسَيْطرِ ومُبَيْطر وواحد اسم جبل - وقيل : اسم أرضٍ لبني فِزارة - وهو المُجَيْمِر قال امرؤ القيس :
٤٥٣٧- كَأَنَّ ذُرَى رَأسِ المُجَيْمِرِ غُدْوَةً | مِنَ السَّيْلِ والغُثَّاءِ فَلْكَةُ مِغْزَلِ |
قوله :« يَسْتَمِعُونَ فِيهِ » صفة « لسُلَّمٍ » و « فِيهِ » على بابه من الظرفية. وقيل : هي بمعنى « عَلَى ». قاله الواحدي، كقوله تعالى :﴿ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل ﴾ [ طه : ٧١ ]. ولا حاجة إلَيْهِ.
وقدَّره الزمخشري متعلقاً بحال محذوفة تقديرها : صَاعِدِينَ فيه. ومفعول « يَسْتَمِعُونَ » محذوف فقدره الزمخشري يستمعون ما يوحى إلى الملائكة من عِلْم الغيب. وقدره غيره يستمعون الخبر بصحة ما يدعون من أنه شاعر، وأنَّ لِلَّهِ شركاءَ.
والظاهر أنه لا يقدر له مفعول بل المعنى يوقعون الاستماع أي هل لهم قوة الاستماع من السماء حتى يعلموا أنه ليس برسول.
قوله :« فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ » إن ادَّعَوْا ذلك « بسلطان مبين » أي حجة وبينة.
فإن قيل كيف قال :« فَلْيَأتِ مُسْتَمِعُهُمْ » ولم يقل : فَلْيَأتُوا كما قال تعالى :﴿ فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ ﴾ [ الطور : ٣٤ ] ؟
فالجواب : أنه طلب منهم الأهون على تقدير صدقهم ليكون امتناعُه عليهم أدلَّ على بُطْلان قولهم، وقال هناك : فَلْيَأتوا أي اجتمعوا عليه وتعاونوا وأتوا بمثله، فإن ذلك عند الاجتماع أهون وأما الارْتِقَاءُ في السلم بالاجتماع فمتعذِّر، لأنه يرتقي واحدٌ بعد واحد فلا يحصل في الدرجة العليا إلا واحد فقال : فَلْيَأتِ ذَلك الواحد بما سَمِعَهُ. وفيه لطيفة وهي أنه لو طلب منهم ما سمعوه لكان الواحد أن يفتري ويقول : سَمِعْتُ كذا فقال : لاَ بل الواجب أن يأتي بدليل يَدُلُّ عليه.
قوله :﴿ أَمْ لَهُ البنات وَلَكُمُ البنون ﴾ وهذا إنكار عليهم حين جعلوا لله ما يكرهون كقوله تعالى :﴿ فاستفتهم أَلِرَبِّكَ البنات وَلَهُمُ البنون ﴾ [ الصافات : ١٤٩ ].
﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً ﴾ جعلاً على ما جئتهم به ودعوتهم إليه ﴿ فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ﴾ أي أثقلهم ذلك المَغْرَم الذي يسألهم، فيمنعهم ذلك عن الإسلام.