قوله :﴿ فَذَرْهُمْ حتى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ ﴾ « يومهم » مفعول به لا ظرف. وقرأ أبو حيوة : يَلْقُوا مضارع لَقِيَ ويُضْعِفُ أن يكون المفعول محذوفاً و « يَوْمَهم » ظرف أي يلاقوا أو يلقوا جزاء أعمالهم في يَوْمِهِمْ.

فصل


قوله :« فذرهم » كقوله :﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ [ الأنعام : ٦٨ ]، ﴿ وَتَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾ [ الصافات : ١٧٨ ] إلى غير ذلك. فقيل : كلها منسوخة بآيات القتال. وهو ضعيف. وإنما المراد التهديد كقول السيد لعبده الجاني لمن ينصحه : دَعْهُ فإنه سَيَنَالُ جِنَايَتَهُ.
قوله :﴿ الذي فِيهِ يُصْعَقُونَ ﴾ قرأ ابنُ عامر وعاصم بضم ياء يصعقون مبنياً للمجهول. وباقي السبعة بفتحها مبنياً للفاعل. وقرأ أبو عبد الرَّحْمَنِ : بضم الياء وكسر العين.
فأما الأولى : فيحتمل أن تكون من صُعِقَ فهو مَصْعُوق مبنياً للمفعول. وهو ثلاثي حكاه الأخفش، فيكون مثل سُعِدُوا وأن يكون من أَصْعَقَ رُبَاعِيًّا، يقال : أُصْعِقَ فهو مُصْعَقٌ. قاله الفارسي. والمعنى أن غيرَهم أَصْعَقَهُمْ.
وقراءة السلمي تؤذن أن أفْعَلَ بمعنى فَعِلَ. ومعنى يصعقون أي يموتون أي حتى يعاينوا الموت.
وقوله :﴿ يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ ﴾ يوم بدل من « يَوْمَهُمْ ».
وقيل : ظرف « يُلاَقُوا ».
فإن قيل : يلزم منه أن يكون اليومُ في يوم فيكون اليومُ ظرفَ الْيَوْمِ؟
فالجواب : هو على حدّ قولك : يأتي يَوْمُ قتل فلان يَوْمَ تَبين جَرائِمُهُ. قاله ابن الخطيب. وقوله ﴿ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ أي لا ينفعهم كيدهم يوم الموت ولا يمنعهم من العذاب مانعٌ.
قوله :﴿ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ يجوز أن يكون من إتباع الظاهر موقع المضمر وأن لا يكون كما تقدم. والمعنى وإن للذين ظلموا أي كفروا ﴿ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ ﴾ أي عذاباً في الدنيا قبل عذاب الآخرة. قال ابن عباس - ( رَضِيَ الله عنهما ) - يعني القتل يوم بدر.
وقال الضحاك : هو الجوع والقحط سَبْعَ سنين. وقال البراءُ بن عازب : عذاب القبر.
﴿ ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أن العذاب نازل بهم.
والمراد بالظلم هنا هو كيدهم نَبِيَّهم - ﷺ - وهم أهل مكة. وقيل : ظلموا بعبادة غير الله فيكون عاماً في كل ظالم. والإشارة بقوله :« ذَلِكَ » إلى اليوم الذي فيه يُصْعَقُونَ.
ومقعول « يعلمون » يجوز أن يكون ما تقدم، ويجوز أن يكونَ لا مفعولَ له أي أكثرهم غافِلونَ جَاهِلُون.
قوله تعالى ﴿ واصبر لِحُكْمِ ﴾. أي إلى أن يقع بهم العذاب الذي حكمت عليهم « فَإنَّكَ بِأَعْيُنِنَا » قراءة العامة بالفك، وأبو السَّمَّال بإدغام النون فيما بعدها. وناسب جمع الضمير هنا جمع العين ألا تراه أفرد حَيْثُ أفردها في قوله :﴿ وَلِتُصْنَعَ على عيني ﴾ [ طه : ٣٩ ]. قاله الزمخشري. والمعنى : فَإنك بِمرأًى مِنَّا.
قال ابن عباس : نَرَى ما يُعْمَلُ بك. وقال الزجاج : إنك بحيث نراك ونحفظك فلا يصلون إلى مَكْرُوهِكَ.


الصفحة التالية
Icon