[ الطور : ٧ و ٨ ] وفي هذه أقسم لإثبات النبوة لتكمل الأصول الثلاثة الوحدانية، والحشر، والنبوة.
واعلم أنه تعالى لم يقسم على الوحدانية ولا على النبوة كثيراً، لأنه أقسم على الوحدانية في سورة واحدة وهي « وَالصَّافَّاتِ »، وأما النبوة فأقسم عليها بأمر واحد في هذه السورة وبأمرين في سورة ( وَالضُّحَى ) وأكثر من القسم على الحشر وما يتعلق به فقال :﴿ والليل إِذَا يغشى ﴾ [ الليل : ١ ] ﴿ والشمس وَضُحَاهَا ﴾ [ الشمس : ١ ] ﴿ والسمآء ذَاتِ البروج ﴾ [ البروج : ١ ] إلى غير ذلك وكلها في الحشر أو ما يتعلق به، وذلك لأن دلائل الوحدانية كثيرة كلها عقلية كما قيل :

٤٥٤٢- وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أنَّهُ الوَاحِدُ
ودلائل النبوة أيضاً كثيرة وهي المعجزات المشهورة وأما الحشر ووقوعه فلا يمكن إثباته إلاَّ بالسمع فأكثر فيه القسم ليقطع بها المكلف ويعتقده اعتقاداً جازماً.

فصل


قال ابن الخطيب : والفائدة في تقييد القسم به بوقت هويه إذا كان في وسط السماء بعيداً عن الأرض لا يهتدي إليه السَّارِي لأنه لا يعلم به المَشْرِق من المَغْرِب ولا الجنوب من الشّمال. فإِذا زال عن وسط السماء تبين بزواله جانب المغرب من المشرق والجنوب عن الشمال. وخص الهويَّ دون الطلوع لعموم الاهتداء به في الدين والدنيا كما قال الخليل - ﷺ - ﴿ لا أُحِبُّ الآفلين ﴾ [ الأنعام : ٧٦ ]. وفيه لطيفة وهي أن القسم بالنجم يقتضي تعظيمه وقد كان منهم من يعبده فنبه بهُوِيِّه على عدم صلاحيته للإِلهيَّة بأُفُولِهِ.

فصل


أول هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها لفظاً ومعنى، أما لفظاً فقوله :« وَإِدْبَارَ النُّجُومِ » وافتتح هذه بالنجم مع واو القسم، وأما معنًى فلأنه تعالى لما قال لنبيه :﴿ وَمِنَ الليل فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النجوم ﴾ [ الطور : ٤٩ ] بين له أنه ( جزأه في أجزاء مكابدة النبي - ﷺ - بالنجم ) وبعده ( عما لا يجوز له ) فقال :﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غوى ﴾.
قوله :« إذَا هَوَى » في العامل في هذا الظرف أوجه وعلى كل منها إِشْكَال.
أحدها : أنه منصوب بفعل القسم المحذوف تقديره : أُقْسِمُ بالنجم وقْتَ هُويه. قاله أبو البقاء. وهو مشكِل؛ فإن فعل القسم إنشاء والإنشاء حال و « إذا » لما يستقبل من الزمان فكيف يتلاقيان؟!.
الثاني : أن العامل فيه مقدر على أنه حال من ( النَّجْمِ ) أقْسَمَ به حال كونه مستقراً في زمان هُوِيِّهِ. وهو مشكلٌ من وجهين :
أحدهما : أن النجم جثّة والزمان لا يكون حالاً كما لا يكون خبراً.
والثاني : أن ( إِذَا ) للمستقبل فيكف يكون حالاً؟!.
وقد أجيب عن الأول بأن المراد بالنَّجم القطعة من القرآن والقرآن قد نزل منجماً في عشرين سنة. وهذا تفسير عن ابن عباس وعن غيره.
وعن الثاني بأنها حال مقدرة.
الثالث : أن العامل فيه نفس النجم إذا أريد به القرآن. قاله أبو البقاء.


الصفحة التالية
Icon