الخامس : أنه ضمن معنى الظن وفيه بعد.
فصل
معنى الكلام أنهم كانوا يستترون عند الإقدام على الأعمال القبيحة؛ لأن استتارهم ما كان لأجل قولهم من أن يشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم لأنهم كانوا منكرين للبعث والقيامة، وذلك الاستتار لأجل أنهم كانوا يظنون أن الله لا يعلم الأعمال التي يخفونها. وريَ عن ابن مسعود رض يالله عنه قال : كنت مستتراً بأستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر ثقفيان وقرشيّ أو قرشيان وثقفي كثير شحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم، مفقال أحدهم : أترون أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر : يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، وقال الآخر : إن كان يسمع إذا جهرنا سمع إذا أخفينا. فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فأنزل الله ﴿ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ... ﴾ الآية. قيل : الثقفي عبد ياليل وختناه القرشيان ربيعة وصفوان بن أمية.
قوله :« وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ » فيه أوجه :
أحدها : أن « ذلكم » رفع بالإبتداء و « ظنكم » خبره و « الَّذِي ظَنَنْتُمْ » نعته « وَأَرْداكُمْ » حال و « قد » معه مقدرة على رأي الجمهور خلافاً للأخفش، و منع مكي الحالية للخلو من « قد : وهو ممنوع لما تقدم.
والثاني : أن يكون » ظَنُّكُمْ « بدلاً، والموصول خبره، و » أَرْدَاكُمْ « حال أيضاً.
الثالث : أن يكون الموصول خبراً ثانياً.
الرابع : أن يكون » ظنكم « بدلاً أو بياناً، والموصول هو الخبر، و » أرْدَاكُمْ « خبر ثاني.
الخامس : أن يكون ظنكم والموصول والجملة من » أرْداكم « أخباراً إلا أن أبا حيان ردَّ على الزمخشري قوله :» وَظَنُّكُمْ وَأَرْدَاكُمْ « خبران قال : لأن قوله » وَذلِكُمْ « إشارة إلى ظنهم السابق فيصير التقدير : وظنكم بربكم أنه لا يعلم ظنكم بربكم فاستفيد من الخبر ما استفيد من المبتدأ وهو لا يجوز وهذا نظير ما منعه النحاة من قولك : سَيِّد الجارية مالكها.
وقد منع ابن عطية كون » أَرْدَاكُمْ « حالاً، لعدم وجود » قد «. وتقدَّمم الخلاف في ذللك.
فصل
قال المفسرون : وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم أي ظنكم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون أرادكم أهلككم. قال ابن عباس رضي الله عنهما : طرحكم ف يالنار ﴿ فأصبحتم من الخاسرين ﴾ وهنذا نص صريح في أن من ظن أنه يخرج شيء من المعلومات عن علم الله فإنه يكون من الهالكين الخاسرين.
قال المحققون : الظن قسمان :
أحدهما : حسن، والآخر : فاسد. فالحسن أن يظن بالله تعالى الرحمة والفضل والإحسان، قال ﷺ حكايةً عن الله تعالى :» أنَا عِنْدَ ظَنِّّ عَبْدِي بي « وقال ﷺ :» لاَ يمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلاَّ وهُوَ حَسَنُ الظَّنِّ بالله «.
والظن القبيح أن يظن أنه تعالى أنه يعرب عن علمه بعض الأحوال. وقال قتادة : والظن نوعان : مُنْجِي ومُرْدِي فالمنجي قوله :﴿ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [ الحاقة : ٢ ] وقوله :﴿ الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ ﴾ [ البقرة : ٤٦ ] والمردي هو قوله ﴿ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الذي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ ﴾.