وثانيهما : أن يكون عاماً أي أوحى الله إلى جبريل ما أوحى إلى كل رسول.
الوجه الثاني في ( عبده ) على قولنا : الموحِي هو الله : أنه محمد ﷺ أي أوحى الله إلى محمد ما أوحى إليه ( للتفخيم والتعظيم.
الوجه الثاني في فاعل أوحى الأول : هو أنه جبريل أوحى إلى عبده أي عبد الله يعني محمداً ما أوحى إليه ) ربه تعالى؛ قاله ابن عباس في رواية عطاء والكلبي والحسن والربيع وابن زيد. وعلى هذا ففي فاعل « أوحى » الثاني وجهان :
أحدهما : أنه جبريل أي أوحى جبريل إلى عبد الله ما أوحى جبريل للتفخيم.
وثانيهما : أن يكون هو الله تعالى أي أوحى جبريل إِلى محمد ما أوحى الله إليه.
فصل
وفي الذي أوحى وجوه :
الأول : قال سعيد بن جبير أوحى الله إليه :﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى ﴾ [ الضحى : ٦ ] إلى قوله :﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [ الشرح : ٤ ].
الثاني : أوحى إليه الصلاة.
الثالث : أن أحداً من الأنبياء لا يدخل الجنة قبلك وأنَّ أمة من الأمم لا تدخلها قبل أمتك.
الرابع : أنه مبهم لا يطلع عليه أحد وتعبدنا به على الجملة.
الخامس : أن ما للعموم والمراد كل ما جاء به جبريل.
قوله :« مَا كَذَبَ » قرأ هشامٌ وأبو جَعْفَر بتشديد الذال والباقون بتخفيفها.
فأما الأولى فإن معناها أن ما رآه محمد بعينه صدَّقه قلبهُ ولم ينكره أي لم يقل : لم أعرفْكَ و ( ما ) مفعول به موصولة والعائد محذوف ففاعل ( رأى ) ضمير يعود على النبي - ﷺ -.
وأما قراءة التخفيف فقيل كذلك. و « كَذَبَ » يتعدى بنفسه وقيل : هو على إسقاط الخافض أي فيما رآه قاله مكي وغيره فأسقط حرف الصفة، قال حسان :
٤٥٥٣- لَوْ كُنْتِ صَادِقَة الَّذِي حَدَّثْتِنِي | لَنَجوْتُ مَنْجَى الحَارِثِ بْنِ هِشَامِ |
وجوز في ( ما ) وجهين آخرين :
أحدهما : أن يكون بمعنى الذي.
والثاني : أن تكون مصدرية ويجوز أن يكون فاعل ( رأى ) ضميراً يعود على الفؤاد أي لم يشك قلبه فيما رآه بعَيْنِهِ.
فصل
قال الزمخشري معناه : أن قلبه لم يكذب وما قال إن من يراه بصرك ليس بصحيح ولو قال فؤاده ذلك لكان كاذباٌ فيما قاله فما كذب الفؤاد. هذا على قراءة التخفيف، يقال : كَذَبَهُ إِذَا قال له الكَذِبَ.
وأما قراءة التشديد فمعناه ما قال : إن المرئيَّ خيالٌ لا حقيقةٌ.
وأما الرائي فقيل : هو الفؤاد كأنه تعالى قال : ما كذب الفؤادُ ما رآه الفؤاد أي لم يقل : إنه هاجس شيطان بل تيقن أن ما رآه بفؤاده صدق صحيح. وقيل : الرائي هو البصر أي ما كذب الفؤاد ما رآه البصر خيال. وقيل : ما كذب الفؤاد وما رأى محمد - عليه الصلاةُ والسلامُ - وعلى هذا فالمراد بالفؤاد الجنس؛ أي القلوب شهدت بصحة ما رآه محمد - ﷺ -.