وقيل :« وما طغى » أي ما جاوز ما أُمِرَ بِهِ.
قوله :﴿ لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى ﴾ في « الكبرى » وجهان :
أظهرهما : أنها مفعول ( رأى ) و ( من آياتِ ربه ) حال مقدرة، والتقدير لقد رأى الآيات الكبرى من آيات ربه.
والثاني : أن ﴿ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ﴾ هو مفعول الرؤية و « الكُبْرَى » صفة « لآيات ربه ». وهذا الجمع يجوز وصفه بوصف المؤنثة الواحدة، وحسَّنَهُ هنا كونها فاصلة. وقد تقدم مثله في « طه » عند قوله ﴿ لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الكبرى ﴾ [ طه : ٢٣ ].
قال ابن الخطيب : في « الكُبْرَى » وجهان :
أحدهما : أنها صفة لمحذوف تقديره لقد رأى من آيات ربه الآيَة الكُبْرَى.
ثانيهما : صفة لآيات ربه فيكون مفعول رأى محذوفاً تقديره رأى من آيات ربّه الكبرى آيةً أو شيئاً.
فصل
قال بعض المفسرين : آيات ربه الكبرى هي أنه رأى جبريل - ﷺ - في صورته. قال ابن الخطيب : والظاهر أن هذه الآيات غير تِيكَ، لأن جبريلَ - عَلَيْهِ الصَّلاة والسلامُ - وإن كان عظيماً، لكن ورد في الأخبار أن لله ملائكةً أعظمَ منه. و « الكُبْرَى » تأنيث الأكبر فكأنه تعالى قال : رأى من آيات ربِّه آياتٍ هي أكبر الآيَاتِ.
فصل
قال المفسرون : رأى رَفْرَفاً أخْضَرَ سَدَّ أُفُقَ السماء. قال البيهقيُّ : الرفرف جبريلُ - ﷺ - في صورته على رفرف، والرَّفْرَفُ البسَاط. وقيل : ثوبٌ كان يَلْبَسُهُ. وقال القرطبي : وروى ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى :﴿ دَنَا فتدلى ﴾ [ النجم : ٨ ] أنه على التقديم والتأخير، أي تدلى الرفرف لمحمد - ﷺ - ليلة المعراج فجلس عليه ثم رفع فدنا من ربه قال : فَارَقَنِي جبريلُ وانْقَطَعت عَنّي الأَصْوَاتُ وسَمِعْتُ كَلاَمَ رَبِّي. فعلى هذا الرفرف ما يجلس عليه كالبسَاط ونَحْوِهِ.
فصل
قال ابن الخطيب ( هذه الآية ) تدل على أن محمداً - ﷺ - لم ير الله ليلة المعراج وإنما رأى آيات الله. وفيه خلاف. ووجه الدلالة أنه ختم قصة المعراج ههنا برؤية الآيات وقال :﴿ سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ﴾ [ الإسراء : ١ ] إلى أن قال :﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ ﴾ [ الإسراء : ١ ] ولو كان رأى ربه لكان ذلك أعظمَ ما يمكن فكان أكبر شيء هو الرؤية، فكان الأمر للرؤية.