فأما قراءة ابن كثير فاشتقاقها من النَّوْءِ، وهو المطر، لأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء ووزنها حينئذ « مَفْعَلَة » فألفها عن واو وهمزتها أصلية وميمها زائدة وأنشدوا على ذلك :
٤٥٥٨- أَلا هَلْ أَتَى تَيْم بْنَ عَبْدِ مَنَاءَةٍ | عَلَى النَّأيِ فِيمَا بَيْنَنَا ابْنُ تَمِيمِ |
قال شهاب الدين : قد سمعه غيرهُ، والبيت حجَّةٌ عليه. وأما قراءة العامة فاشتقاقها من مَنَى يَمْنِي أي صَبَّ لأن دِمَاءَ النَّسائك كانت تُصَبُّ عندَها، وأنشدوا لجرير :
٤٥٥٩- أَزَيْدَ مَنَاةَ تُوعِدُ يَا ابْنَ تَيْمٍ | تَأَمَّلْ أَيْنَ تَاهَ بِكَ الوَعِيدُ |
فصل
قال قتادة : مناة صخرة كانت لخُزَاعةَ بقَدِيد. وقالت عائشة ( رضي الله عنها ) في الأنصار كانوا يصلون لمناةَ فكانت حذو قَديدٍ. وقال ابن زيد : بيت كان بالمشلل تعبده بنو كعب. وقال الضحاك مناة صنم لهُذَيْل وخُزَاعَة تعبده أهل مكة. وقيل : اللاَّتُ والعُزَّى ومناة أصنامٌ مِنْ حجارةٍ كانت في جوف الكعبة يعبدونها.
قوله :( الأُخْرَى ) صفة لمَنَاةَ. قال أبو البقاء : و « الأُخْرَى » توكيد لأن الثالثة لا تكون إلا أُخْرَى.
وقال الزمخشري : والأخرى ذم وهي المتأخِّرة الوضيعة المقدار، كقوله :﴿ قَالَتْ أُخْرَاهُمْ ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ] أي وُضَعاؤهم لأَشْرَافِهمْ. ويجوز أن تكون الأولية والتقدم عندهم لِلاَّتِ والْعُزَّى. انتهى.
وفيه نظر، لأن « الأخرى » إنما تدل على الغيرية، وليس فيها تعريض لمدح ولا ذمٍّ، فإن جاء شيء فلقرينة خارجيَّةٍ.
وقيل : الأخرى صفة للعُزَّى؛ لأن الثانية أخرى بالنسبة إلى الأولى. وقال الحُسَيْنُ بن الفَضْلِ : فيه تقديم وتأخير أي العزَّى الأُخْرَى، ومناة الثالثة. ولا حاجة إلى ذلك؛ لأن الأصل عَدَمُهُ.
فصل
قال ابن الخطيب : فإنْ قِيلَ : إنما يقال : أَخَّرُوا « أُخْرى » إذا ( تقدم ) أول مشاركٌ للثاني فلا يقال جَاءَنِي رَجُلٌ وامْرَأَةٌ أُخْرَى فيلزم أن تكون العُزَّى ثالثةً!
فالجواب : قد يستعمل الآخر والأُخرى للذَّمِّ، فالمراد بالأخرى المتأخرة الذليلة. واللات على صورة آدمّي. والعُزَّى شجرة وهي نبات. وقيل : صخرة جَمَاد وهي متأخرة عنهما. أو في الكلام حذف أي اللات والعزى المعبودين بالباطل ومناة الثالثة الأخرى. أو المعنى ومناة الأخرى الثالثة على التقديم والتأخير. ومعنى الآية هل رأيتم هذه الأصنام حقَّ الرؤية فَإنْ رأيتموها علمتم أنها لا تَصْلُحُ للإلهيَّةِ. والمقصود إبطال الشركاء وإثبات التوحيد.
فصل
« أرأيت » بمعنى أخبرني فيتعدى لاثنين أولهما اللات وما عطف عليه، والثاني : الجملة الاستفهامية من قوله :« ألَكُمُ الذَّكَرُ ».
فإن قيل : لم يعد من هذه الجملة ضمير على المفعول الأول.
فالجواب : أن قوله « وَلَهُ الأُنْثَى » في قوة : له هذه الأصنام وإن كان أصل التركيب ألكم الذكر وله هُنَّ أي تلك الأصنام.