قوله :﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ ﴾ أي لم يخبر ﴿ بِمَا فِي صُحُفِ موسى ﴾ يعني أسفار التوراة و « أم » منقطعة أي بل ألم ينبأ و « ما » في قوله « بِمَا » يحتمل أن يكون المراد جنس ما قبلها أي لم ينبأ بالتوحيد والحشر وغيره. ويحتمل أن يكون عين ما في التوراة لا جنسه. وعلى هذا فالكلام مع أهل الكتاب.
قوله :« وَإِبْرَاهِيمَ » عطف على « موسى »، أي وصحف إبراهيم، لقوله في سورة الأعلى :﴿ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى ﴾ [ الأعلى : ١٩ ].
وإنما خص هذين النبيين بالذكر، لأنه كان بين إبراهيم وموسى يؤخذ الرجلُ بجريرة غيره فأول من خالفهم إبراهيم قاله الهذيل بن شُرَحْبِيل. والعامة على وَفَّى بالتشديد. وقرأ أبو أُمامة الباهلي وسعيدُ بن جبير وابن السَّمَيْقَع : وَفَى مخففاً. وقد تقدم أن فيه ثلاثَ لغات. وأطلق التوفية والوفاء ليتناولا كل ما وفى به والمعنى تَمَّ وأكمل ما أُمِرَ به.
قال الحسن وسعيد بن جبير وقتادة : عمل ما أمر به، وبلغ رسالةَ ربه إلى خلقه. وقال مجاهد : وفى بما فرض عليه. وقال الربيع : وفى رُؤْياه وقام بذبح ابْنه. وقال عطاء الخراساني : استكمل الطاعة. وقال أبو العالية : هو الإتمام في قوله تعالى :﴿ وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ﴾ [ البقرة : ١٢٤ ] والتوفية الإتمام. وقال الضحاك : وفَّى المناسك. وروي عن النبي - ﷺ - أنه قال :« إبرَاهِيمُ الَّذِي وَفَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ».
قوله :﴿ أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ « أن » مخففة من الثقيلة واسمها محذوف هو ضمير الشأن و « لاَ تَزِرُ » هو الخبر. وجيء بالنفي لكون الخبر جملة فعلية متصرفة غير مقرونة كما تقدم تحريره في المائدة. و « أن » وما في حيّزها فيها قولان :
أظهرهما : الجر بدلاً من « ما » في قوله ﴿ بما في صحف ﴾.
والثاني : الرفع خبراً لمبتدأ مضمر أي ذَلِك أن لا تزرُ أو هو أن لا تزرُ. وهو جواب لسؤال مقدر؛ كأن قائلاً قال : وما في صحفهما؟ فأجيبَ بذلك.
قال شهاب الدين : ويجوز أن يكون نصباً بإضمار « أعني » جواباً لذلك السائل وكل موضع أضمر فيه هذا المبتدأ لهذا المعنى أضمر فيه هذا الفِعل.

فصل


معنى الآية : أنه لا تحمل نفسٌ حِمْلَ أخرى أي لا تُؤخَذُ نفس بإثم غيرها. وفي هذا إبطال قول من ضمن للوليد بن المغيرة أن يحمل عنه الإِثم.
وروى عكرمة عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) قال : كانوا قبل إبراهيم ﷺ يأخذون الرجل بذنب غيره وكان الرجل يُقْتَلُ بقَتْل أبيه وابنه وأخواته حتى جاءهم إبراهيم ﷺ فنهاهم عن ذلك وبلغهم عن الله تعالى أن لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخْرى.


الصفحة التالية
Icon