فإن قيل : الآية مذكورة لبيان أن وِزْرَ الرجل لا يحمل عنه وبهذا الكلام لا تحصل هذه الفائدة، لأن الوَازِرَةَ تكون مثقلةً بوِزْرِها وكل أحد يعلم أنها لا تحمل شيئاً فلو قال : لا تحمل فارغة وزر أخرى كان أبلغ.
فالجواب : أن المراد من الوَازِرَةِ هي التي يتوقع منها الوزر والحمل لا التي وَزَرت وحَمَلَتْ.
ونقل القرطبي عن أبي مالك الغِفاريّ قال : قوله تعالى :﴿ أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ إلى قوله :﴿ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكَ تتمارى ﴾ في صحف إبراهيم وموسى.
قوله تعالى :﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى ﴾ أن هي المخففة أيضاً ولم يفصل هنا بينها وبين الفعل لأنه لا يتصرف. ومحلها الجر أو الرفع، أو النصب لعطفها على ( أن ) قبلها، وكذلك محل :« وَأَنَّ سَعْيَهُ ». و « يُرَى » مبني للمجهول، فيجوز أن تكون من البَصَرِية أي يُبْصَر، وأن تكون من العِلْميَّة فيكون الثاني محذوفاً أي يرى حاضراً. والأول أوضح.
وقال مكي : وأجاز الزجاج : يَرَى بفتح الياء على إضمار الهاء؛ أي سَوْفَ يَرَاهُ ولم يُجِزْهُ الكوفيُّونَ لأن « سعيه » يصير قد عمل فيه أنّ، و « يَرَى ». وهو جائز عند المبرِّد وغيرِهِ؛ لأنَّ دخولَ « أنّ » على « سَعْيَهُ » وعملها فيه، يدل على الهاء المحذوفة مِنْ « يُرَى »؛ وعلى هذا جوز البصريون : إنَّ زيداً ضَرَبْتَ بغير هاء.
قال شهاب الدين : وهو خلاف ضعيف توهموا أن الاسم توجه عليه عاملانِ مختلفان في الجنسية، لأن رأي بعضهم أن يعمل فِعْلاَنِ في معمول واحد، ومنه باب التنازع في بعض صوره، نحو : قَامَ وقَعَدَ زَيْدٌ وضَرَبْتُ وأكرمْتُ عَمْراً وأن يعمل عامل واحد في اسم وفي ضميره معاً نحو : زَيْداً ضَرَبْتُهُ في باب الاشتغال. وهذا توهم باطل؛ لأنا نقول : سَعْيَهُ منصوب « بأَنَّ » و « يُرَى » متسلط على ضميره المقدر فظاهر هذا أنه لم يقرأ به.
وقد حكى أبو البقاء أنه قرىء به شاذًّا، ولكه ضعفه من جهة أخرى فقال : وقرىء بفتح الياء، وهو ضعيف؛ لأنه ليس فيه ضمير يعودُ على اسم أنَّ وهو السَّعْي والضمير الذي فيه الهاء فيبقى الاسم بغير خبر وهو كقولك : إنَّ غُلاَمَ زَيْدٍ قَامَ وأنت تعني قام زيد، فلا خبر « لغُلاَمٍ ».
وقد وُجِّه على أن التقدير سوف يَرَاهُ فتعود الهاء على السَّعي. وفيه بعد. انتهى.
قال شهاب الدين : وليت شعري كيف توهم المانع المذكور وكيف نظّره بما ذكر؟! ثم أي بعد في تقدير سوف يَرَى سَعْي نَفْسِهِ؟! وكأنه اطلع على مذهب الكوفيين في المنع إلا أن المُدْرَكَ غير المُدْركِ.