قوله :﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى ﴾ أي عَمِل، كقوله :﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى ﴾ [ الليل : ٤ ]. وهذا أيضاً في صُحُف إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى. قال ابن عباس - ( رضي الله عنهما ) - هذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة بقوله :﴿ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ [ الطور : ٢١ ] فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء.
وقال عكرمة : كان ذلك لقَوم إبراهيم وموسى أما هذه الأمة فلهم ما سعوا وما سعى لهم غيرهم لِمَا « رُوِيَ أن امرأةً رَفَعَتْ صبيًّا لها فقالت يا رسول الله : ألهذا حَجٌّ؟ قال : نعم، ولكِ أجرٌ ».
« وقال رجل للنبي - ﷺ - : إن أمّي قَتَلَتْ نفسها فهل لها أجر إن تصدّقت عنها؟ قال : نعم ».
قال الشيخ تقي الدين أبو العباس أحمد بن تَيْمِيةَ : من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله فقد خرق الإجماع وذلك باطل من وجوه كثيرة :
أحدها : أن الإنسان ينتفع بدعاء غيره وهو انتفاع بعمل الغير.
الثاني : أن النبي - ﷺ - يشفع لأهل الموقف في الحساب ثم لأهل الجنة في دخولها، ثم لأهل الكبائر في الإخراج من النار، وهذا انتفاع بسعي الغير.
الثالث : أن كل نبي وصالح له شفاعة وذلك انتفاع بعمل الغير.
الرابع : أن الملائكة يدعون ويستغفرون لمن في الأرض وذلك منفعة بعمل الغير.
الخامس : أن الله يُخْرج من النار من لم يعمل خيراً قطّ بمَحْض رحمته. وهذا انتفاع بغير عملهم.
السادس : أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم وذلك انتفاع بمَحْضِ عَمَل الغَيْرِ.
السابع : قال تعالى في قصة الغلامين اليتمين :﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ﴾ [ الكهف : ٨٢ ]. فانتفعا بصلاح أبيهما وليس هو من سعيهما.
الثامن : أن الميت ينتفع بالصدقة عنه، وبالعِتْق بنصِّ السّنة والإجماع، وهو من عمل غيره.
التاسع : أن الحج المفروض يسقط عن الميت بحج وَلِيِّه بِنَصِّ السُّنَّة وهو انتفاع بعمل الغير.
العاشر : أن الصوم المنذور والحجَّ المنذور يسقط عن الميت بعَمَلِ غيره بنص السنة وهو انتفاع بعمل الغير الذي امتنع ﷺ من الصلاة عليه حتى قضى دينَهُ أبو قَتَادَةَ، وقضى دَيْنَ الآخر عليُّ بن أبي طالب قد انتفع بصلاة النبيِّ - ﷺ - وبردت جلدته بقضاء دينه وهو من عمل الغير.
الحادي عشر : أن النَّبيَّ - ﷺ - « قال لمن صلَّى وحده : ألا رجل يتصدق على هذا الرجل فيصلي معه فقد حصل له فضل الجماعة بفضل الغير ».
الثاني عشر : أن الإنسان تبرأ ذمته من ديوان الخَلْق إذا قضاها قاض عنه وذلك انتفاع بعمل غيره.
الثالث عشر : أن من عليه تبعاتٌ ومظالم إذا حلل منها سقطت عنه وهذا انتفاع بعمل غيره.
الرابع عشر : أن الجار الصالح ينفع في المحيا والممات كما جاء في الأثر، وهذا انتفاع بعمل الغير.