الخامس عشر : أن جليسَ أهلِ الذكر يرحم بهم وهو لم يكن منهم، ولم يجلس لذلك بل لحاجةٍ عَرَضَتْ له والأعمال بالنيات فقد انتفع بعمل غيره.
السادس عشر : الصَّلاة على الميت والدعاء له في الصلاة انتفاع للميت بصلاة الحي عليه وهو عمل غيره.
السابع عشر : أن الجُمعَة تحصل باجتماع العدد، وكذلك الجماعة بكثرة العدد وهو انتفاع للبعْضِ بالبَعْضِ.
الثامن عشر : أن الله قال لنبيه - ﷺ - :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ] وقال :﴿ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ ﴾ [ الفتح : ٢٥ ] وقال ﴿ وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [ الحج : ٤٠ ] فقد دفع الله العذاب عن بعض الناس بسبب بعض وذلك انتفاع بعمل الغير.
التاسع عشر : أن صدقة الفطر تجب على الصغير وغيره ممن الرجل ينفع بذلك من يخرج عنه ولا سعي له.
العشرون : أن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون ويثاب على ذلك ولا سعي له، ومن تأمل العلم وجد من انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى فكيف يجوز أن يتناول الآية على خلاف صريح الكتاب والسنة وإجماع الأمة؟!.
والمراد بالإنسان العُمُوم.
وقال الربيع بن أنس : ليس للإنسان - يعني الكافر - وأما المؤمن فله ما سعى وما سُعي له. وقيل : ليس للكافر من الخير إلا ما عمله يثاب عليه في الدنيا حتى لا يبقى له في الآخرة خير.
ويروى : أن عبد الله بن أبي ( ابن سلول ) كان أعطى العَبَّاس قميصاً ألبسه إياه فلما مات أرسل رسول الله - ﷺ - قميصه ليكفن فيه فلم يبق له حسنةٌ في الآخرة يُثَابُ عَلَيْهَا.
وقوله :﴿ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يرى ﴾ أي يرى في ميزانه يوم القيامة من أَرَيْتُهُ الشيءَ أي يعرض عليه ويكشف له.
فإن قيل : العمل كيف يرى بعد وُجوده ومُضِيِّه؟!.
فالجواب من وجهين :
أحدهما : يرى على صورة جميلة إن كان العملُ صالحاً.
الثاني : قال ابن الخطيب : وذلك على مذهبنا غير بعيد، فإن كلّ موجود يَرَى الله والله قادر على إعادة كل ما عُدِمَ فبعد الفعل فيرى. ووجه آخر وهو أن ذلك مجاز عن الثواب كقولك :« سترى إحسانك » أي جزاءه. وفيه نظر؛ لقوله بعد ذلك :﴿ ثُمَّ يُجْزَاهُ الجزآء الأوفى ﴾.
قوله :« ثُمَّ يُجْزَاهُ » يجوز في الضمير وجهان :
أظهرهما : أن الضمير المرفوع يعود على الإنسان والمنصوب يعود على « سَعْيهُ » والجزاء مصدر مبيِّن للنوع.
والثاني : قال الزمخشري : ويجوز أن يكون الضمير للجزاء، ثم فسره بقوله :« الجَزَاءَ »، أو أبدله منه كقوله :﴿ وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ ﴾ [ الأنبياء : ٣ ].
قال أبو حيان : وإذا كان تفسيراً للضمير المنصوب في « يُجْزَاهُ » فعلى ماذا يَنْتَصِبُ؟ وأما إذا كان بدلاً فهو من بدل الظاهر من المُضْمَر.


الصفحة التالية
Icon