وهو مسألة خلاف. والصحيح المنعُ.
قال شهاب الدين : العجب كيف يقول : فعلى ماذا ينتصب؟ وانتصابه من وجهين :
أظهرهما : أن يكون عطف بيان وعطف البَيَان يصدق عليه أنه مفسِّر. وهي عبارة شائعة.
الثاني : أن ينتصب بإضمار « أعْني » وهي عبارة شائعة أيضاً يسمون مثل ذلك تفسيراً.
وقد منع أبو البقاء أن ينتصب « الجَزَاءَ الأَوْفَى » على المصدر فقال :« الجَزَاءَ الأَوْفَى » هو مفعول « يُجْزَاهُ » وليس بمصدر؛ لأنه وصفه بالأَوْفَى وذلك من صفة المجزيّ به لا من صفة الفِعْلِ.
قال شهاب الدين : وهذا لا يبعد عن الغَلَط؛ لأنه يلزم أن يتعدى « يُجْزَى » إلى ثلاثة مفاعيل؛ لأن الأول قام مقام الفاعل والثاني « الهاء » التي هي ضمير السعي، والثالث « الجزاء الأوفى ». وأيضاً فكيف ينتظم المعنى؟ وقد يجاب عنه بأنّه أراد أنه بدل من الهاء، كما تقدَّم عن الزمخشَريِّ.
ويصح أن يقال : هو مفعول « يُجْزَاه » فلا يتعدى لثلاثة حينئذ إلا أنه بعيدٌ عن غرضِهِ. ومثل هذا إلْغَازٌ.
وأما قوله :« وَالأَوْفَى ليس من صفات الفعل » ممنوعٌ، بل هو من صفاته مجازاً، كما يوصف المجزيّ به مجازاً فإن الحقيقة في كليها منتفيةٌ وإنما المتصف به حقيقة المجازى.
وقال ابن الخطيب : والجزاء يتعدى إلى مفعولين، قال تعالى :﴿ وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً ﴾ [ الإنسان : ١٢ ] ويقال جزاك الله خيراً، ويتعدى إلى ثلاثة مفاعيل بحرف الجر، فيقال : جَزَاهُ الخَيْرَ عَلَى عَمَله الجَنَّة، وقد يحذف الجار ويوصل الفعل، فيقال : جَزَاهُ الخَيْرَ عَمَلَه الجَنَّة.
فصل
والمُرَادُ بالجَزَاء الأوفى : الأكمل والأتمَّ أي يُجْزَى الإِنسانُ سَعْيَهُ؛ يقال : جَزَيْتُ فلاناً سَعْيَهُ وبِسَعْيِهِ قال الشاعر :
٤٥٦٧- إنْ أَجْزِ عَلْقَمَةَ بْنَ سَعْدٍ سَعْيَهُ | لَمْ أَجْزِهِ بِبَلاَءِ يَوْمٍ وَاحِدِ |
قال ابن الخطيب : والجزاء الأوفى يليق بالمؤمنين الصالحين؛ لأن جزاء الصالح وافرٌ، قال تعالى :﴿ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً ﴾ [ الإسراء : ٦٣ ] وذلك أن جهنم ضررها أكثر من نفع الآثام، فهي في نفسها أوفى. فإن قيل :« ثُمَّ » لتراخي الجزاء أو لتراخي الكلام أي ثم نقول يُجْزَاهُ؟ فإن تكان لتراخي الجزاء فكيف يُؤَخَّر الجزاء عن الصالح وقد قلت : إن الظاهر أن المراد منه الصالحون؟!.
نقول : الوجهان محتملان وجواب السؤال أن الوصف بالأوفى يدفع ما ذكرت؛ لأن الله تعالى من أوّل زمان يتوبُ الصالح يجزيه خيراً ويؤخِّر له الجزاء الأوفى وهي الجنَّة.
أو نقول : الأوفى إشارة إلى الزيادة فصار كقوله تعالى :﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى ﴾ [ يونس : ٢٦ ] وهي الجنة ﴿ وَزِيَادَةٌ ﴾ [ يونس : ٢٦ ] وهي الرؤية، فكأنه تعالى قال : وأنَّ سعيه سوف يرى ثم يرزقُ الرؤيةَ. وهذا الوجه يليق بتفسير اللفظ، فإن الأوفى مطلقٌ غير مبيّن، فلم يقل : أوفى من كذا فينبغي أن يكون أوفى من كل وافٍ ولا يتصف به غير رؤية الله تعالى.