أي قضى أسباب الضَّحِك والبكاء.
وقال بَسَّامُ بن عبد الله : أضحك أسنانهم وأبكى قلوبهم، وأنشد [ رحمه الله ] :
٤٥٧٠- السِّنُّ تَضْحَكُ وَالأَحْشَاءُ تَحْتَرق | وَإِنَّمَا ضِحْكُها زُورٌ ومُخْتَلَقُ |
يَا رُبَّ بَاكٍ بِعَيْنٍ لاَ دُمُوعَ لَهَا | وَرُبَّ ضَاحِكِ سِنٍّ مَا بِهِ رَمَقُ |
قوله تعالى :﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ﴾ أي أمات في الدُّنْيَا، وأحيا للبعث. وقال القرطبي : قضى أسباب الموت والحياة. وقيل : خَلَقَ الموت والحياة. قاله ابن بحر. وقيل : أمات النُّطْفَة وأحيا النَّسمة، وقيل : أمات الآباء وأحيا الأبناء. وقيل : أمات الكافر بالكفر، وأحيا المؤمن بالإيمان.
قال ابن الخطيب : فإن قيل : معنى أمات وأحيا حتى يعلم ذلك بل مشاهدة الإحياء والإماتة بناء على الحياة والموت؟.
نقول : فيه وجوه :
أحدها : أنه على التقديم والتأخير كأنه قال : أَحْيَا وَأَمَاتَ.
ثانيها : هو بمعنى المستقبل، فإن الأمرَ قريبُ المُسْتَقْبل، يقال : كَأنّ فلاناً وصل والليلُ دَخَلَ، إذا قرب مكانه وزمانه فكذلك الإحياء والإماتة.
ثالثها : أنه خلق الموت والجمود في العَنَاصر ثم ركَّبها و « أَحْيَا » أي خلق الحِسَّ والحركة فيها.
قوله :﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى ﴾ أي من كل حيوان. ولم يرد آدمَ وحوّاء؛ لأنهما ما خُلقا من نطفة. وهذا أيضاً من جملة المتضادات الواردة على النطفة، فبعضها يخلق ذكراً وبعضها يخلق أنثى، ولا يصل إليه فهم الطَّبِيعِيّ، والذي يقولونه من البرد والرطوبة في الأنثى فرُبَّ امرأةٍ أحر وأَيْبَسُ مزاجاً من الرّجُل.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى :﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ ﴾ ولم يقل :« وأَنَّهُ هُوَ خَلَقَ » كما قال :﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى ﴾ ؟
فالجواب : أن الضحك والبكاء ربما يتوهم أنه بفعل الإنسان، والإماتة والإحياء وإن كان ذلك التوهم أبعد لكن ربما يقول به جَاهلٌ كما قال من حَاجَّ إبراهيم ﷺ ﴿ قَالَ أَنَاْ أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾ [ البقرة : ٢٥٨ ] فأكد ذلك بالفصل. وأما خلق الذكر والأنثى من النطفة فلا يتوهم أحدٌ أنه بفعل واحدٍ من الناس، فلم يؤكد بالفصل، ألا ترى إلى قوله :﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أغنى وأقنى ﴾ حيث كان الإغناء عندهم غيرَ مسند إلى الله، وكان في معتقدهم أن ذلك بفعلهم كما قال قارون :﴿ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عنديا ﴾ [ القصص : ٧٨ ] وكذلك قال :﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى ﴾ فأكد في مواضع استبعادهم إلى الإسناد ولم يؤكد في غيره.
واختلفوا في الذكر والأنثى هل هما اسمان وهما صفةٌ؟ أو اسمان ليسا بصفة؟ فالمشهور عند أهل اللغة أنهما اسمان ليسا بصفةٍ.