قال ابن الخطيب : والظاهر أنهما من الأسماء التي هي صفات فالذكر كالحَسَنِ، والأنثى كالحُبْلَى والكُبْرَى.
قوله :﴿ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى ﴾ أي تُصَبُّ في الرَّحِمِ؛ يُقَالُ : مَنَى الرَّجُلُ وأمْنَى. قاله الضحاك وعطاء بن أبي رباح.
وقيل : تقدر، يقال : مَنَيْتُ الشَّيْءَ إذا قَدَّرْتهُ. وهذا أيضاً تنبيه على كمال القدرة، لأن النطفة جسم متناسب الأجزاء يخلق اللَّهُ منها أعضاء مختلفةً، وطباعاً متباينةً، وخلق الذكر والأنثى منها أعجب ما يكون، ولهذا لم يَقْدِرِ أحد على أن يَدَّعِيَهُ كما لم يَقْدِر على أن يَدَّعِيَ خلق السموات، ولهذا قال تعالى :﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله ﴾ [ لقمان : ٢٥ ].
قوله :﴿ وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الأخرى ﴾ أي الخلق الثاني للبعث يوم القيامة. قال ابن الخطيب : يحتمل أن يكون المراد من قوله :﴿ وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الأخرى ﴾ هو نفخ الروح الإنسانية فيه كما قال تعالى :﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المضغة عِظَاماً فَكَسَوْنَا العظام لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ﴾ [ المؤمنون : ١٣ و ١٤ ] أي غير خلق النطفة علقة، والعلقة مضغة، والمضغة عظاماً. وبهذا الخلق الآخر وهو نفخ الروح تميز الإنسان عن أنواع الحيوانات فكما قال هناك :﴿ أنشأناه خلقاً آخر ﴾ بعد خلق النطفة قال ههنا :﴿ وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الأخرى ﴾ فجعل خلق الروح نشأةً أخرى كما جَعَلَه هناك إِنشاءً آخَرَ.
فإن قيل : الإعادة لا تجب على الله، فما معنى قوله تعالى :« وأنَّ عَلَيْهِ »؟
فالجواب على مذهب المعتزلة يجب عليه عقلاً، فإن الجزاء واجب، وذلك لا يتم إلا بالحشر فتجب الإعادة عليه عقلاً، وأما على مذهب أهب السنة ففيه وجهان :
الأول :« عَلَيْهِ » بحكم الوعد، فإنه قال :﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الموتى ﴾ [ يس : ١٢ ] « فَعَلَيْهِ » بحكم الوعد لا بالعقل ولا بالشَّرْع.
الثاني :« عليه » بحكم التعيين، فإن من حَضَرَ بين جمع وحاولوا أمراً وعجزوا عنه، يقال له : وَجَبَ عَلَيْكَ إِذَنْ أنْ تَفْعَلَه أي تَعَيَّنْتَ لَهُ.

فصل


قرىء النَّشْأَةَ على أنه مصدر كالضَّرْبَةِ على وزن فَعْلَةٍ وهي المَرَّة يقال : ضَرْبَةٌ وضَرْبَتَانِ يعني النشأة مرة أخرى عليه. وقرىء النَّشاءة - بالمد - على أنه مصدر على وزن فَعَالَةٍ، كالكَفَالَةِ. وكيفما قُرِىءَ فهي من « نَشَأَ »، وهو لازمٌ.
قوله :﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أغنى وأقنى ﴾ قال أبو صالح :« أغنى » الناسَ بالأَمْوَالِ « وأقنى » أعطى القُنيَةَ وأصول الأموال وما يَدَّخِرُونَه بعد الكِفاية.
وقال الضحاك :« أغنى » بالذهب والفضة، وصنوف الأموال، « وأقنى » بالإبل والبَقَر والغنم، وقال الحسن وقتادة : أخْدَمَ. وقال ابن عباس - ( رضي الله عنهما ) أغْنَى وأَقْنَى أَعْطَى فَأَرْضَى. وقال مجاهد ومقاتل : أرضى بما أعطى وقنع. وقال الراغب : وتحقيقه أنه جعل له قنيةً من الرِّضا.


الصفحة التالية
Icon