وقال سُلَيْمَان التَّيْميّ : أغنى نفسه وأفقر خلقه إِليه. وقال ابن زيد :« أغنى » أكثر « وأقنى » أقلَّ، وقرأ :﴿ يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ﴾ [ الإسراء : ٣٠ ].
وقال الأخفش :« أقنى » : أفقر. وقال ابن كيسان : أوْلَدَ. قال الزمخشري :« أقنى » أعطى القُنْيَةَ، وهي المال الذي تأثَّلْته وعزمت أن لا يخرج من يدك. وقال الجَوْهَرِيُّ :« قَنِيَ الرجلُ يَقْنَى قِنًى » مثل « غَنِيَ يَغْنَى غِنًى »، ثم يتعدى بتغيير الحركة فيقال : قَنيتُ مالاً أي كَسَبْتُهُ، وهو نظير : شَتِرَتْ عَيْنُه - بالكسر - وشَتَرَها اللَّهُ - بالفتح - فإذا أدخلت عليه الهمزة أو التضعيف اكتسب مفعولاً ثانياً فيقال : أَقْنَاهُ اللَّهُ مالاً، وقناه إياه أي أكْسَبَهُ إيَّاه، قال الشاعر :

٤٥٧١- كَمْ مِنْ غَنِيٍّ أَصَابَ الدَّهْرُ ثَرْوَتَهُ وَمِنْ فَقِيرٍ تَقَنَّى بَعْدَ إِقْلاَلِ
أي تقنى مالاً، فحذف ( المفعول الثاني ). وحذف مفعولا « أغنى وأقنى »؛ لأن المراد نسبةُ هذيْنِ الفعلين إليه وحْدَهُ، وكذلك في باقيها، وألف « أقنى » عن ياءٍ، لأنه من القِنْية؛ قال :
٤٥٧٢- ألاَ إنَّ بَعْدَ العُدْمِ لِلْمَرْءِ قِنْيَةً... ويقال : قَنِيتُ كَذَا وأَقْنَيْتُهُ، قال :
٤٥٧٣-.............................. قَنِيتُ حَيَائِي عِفَّةً وتَكَرُّمَا
قوله تعالى :﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى ﴾ والشِّعْرَى في لسان العرب كوكبان يسمى أحدهما الشعرى العبور وهو المراد في الآية الكريمة، فإِنَّ خُزَاعَةَ كانت تعبدها، وسن عبادتها أبو كبشة رجلٌ من سادتهم فعبدها وقال : لأن النجوم تقطع السماء عَرْضاً والشِّعْرى تقطعها طولاً فهي مخالفة لها فعبدتها خُزَاعَةُ وحِميرُ وأبو كبشة أحد أجداد النبي - ﷺ - من قِبَل أمهاته، وبذلك كان مشركو قريش يُسمونَ النبي - ﷺ - : ابن أبي كبشة حين دعا إلى الله، وخالف أدْيَانَهُمْ، فكانت قريشٌ تقولُ لرسول الله - ﷺ - : ابْنَ أبي كبشة تشبيهاً بذلك الرجل في أنه أحْدَثَ ديناً غيرَ دِينهِمْ.
والشِّعرى العبور تطلع بعد الجوْزَاء في شدة الحر ويقال لها : مرزم الجوزاء وتسمى كلب الجبار، ويسمى الشعرى اليمانية والثاني الشعرى الغُمَيْصَاء، وهي التي في الذّراع والمجرة بينهما وتسمى الشامية، وسبب تسميها بالغميصاء - على ما زعمت العرب في بعض خرافاتها - أنهما كانتا أختين لسُهَيْل فانحدر سُهَيْلٌ إلى اليمن فاتبعته الشّعرى العَبُور فعبرت المجرة فسُمِّيَت العبور، وأقامت الغميصاءُ تبكي لفَقْدِهِ، حتى غمصت عينها، ولذلك كانت أخفى من العبور. وقد كان من لا يعبد الشِّعرى من العرب يعلمها ويعتقد تأثيرها في العالم قال :
٤٥٧٤- مَضَى أَيْلُولُ وَارْتَفَعَ الحَرُورُ وَأَخْبَتْ نَارَها الشِّعْرَى العَبُورُ

فصل


وهذا الآية إشارة إلى فساده قولِ قوم آخرين؛ لأن بعض الناس يذهب إلى أن الفقر والغنى بكسب الإنسان واجتهاده، فمن كسب استغنَى، ومن كسل افْتَقَرَ، وبعضهم يذهب إلى أن ذلك بسبب الطالع وذلك بالنجوم فقال : هو أغنى وأقنى وإن قال قائل : إن الغنى بالنجوم فيقال : هو رَبّ النجوم ومُحَرِّكُها لقوله تعالى :﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى ﴾ لإنكارهم ذلك أُكِّد بالفصل.


الصفحة التالية
Icon