قال تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإنس والجن ﴾ [ الأنعام : ١١٢ ] وقال :﴿ الذى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الناس مِنَ الجنة والناس ﴾ [ الناس : ٥٦ ] وقيل : هما إبليس وقابيل بن آدم الذي قتل أخاه؛ لأن الكفر سنة إبليس والقتل بغير حق سنة قابيل فهما سنة المعصية. ﴿ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا ﴾ في النار ﴿ لِيَكُونَا مِنَ الأسفلين ﴾ قال مقاتل : يكونون أسفل منا في النار. وقال الزجاج : ليكونا في الدرك الأسفل. وقال بعض الحكماء : المراد باللَّذَيْنَ يُضِلاَّن الشهو والغضب والمراد بجعلهما تحت أقدامهم كونهما مسخَّرين للنفس مطيعين لها، وأن لا يكونا مستوليين عليها قاهرين لها.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا ﴾ الآية. لما ذكر الوعيد أردفه بذكر الوعد كما هو الغالب. واعلم أن « ثُمَّ » لتراخي الرتبة في الفضيلة سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن الاستقامة فقال : أن لا تشرك بالله شيئاً. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغَ رَوَغَات الثَّعْلَب. وقال عثمان رضي الله عنه أخلصوا العمل. وقال علي رضي الله عنه أدَّوا الفرائض. وقال ابن عباس رضي الله عنه استقاموا على أداء الفرائض. وقال الحسن ( رضي الله عنه ) استقاموا على أمر الله بطاعته واجتنبوا معصيته. وقال مجاهد وعكرمة استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله. وقال قتادة : كان الحسن إذا تلا هذه الآية قال :« اللَّهُمَّ فَارْزُقْنَا الاستقامة.
قوله :﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة ﴾ قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) عند الموت. وقال مقاتل وقتادة : إذا قاموا من قبورهم. وقال وكيع بن الجرَّاح : البشرى تكون في ثلاثة مواظن، عند الموت وفي القبر وعند البعث.
قوله :﴿ أَلاَّ تَخَافُواْ ﴾ يجوز في » أن « أن تكون المخففة، أو الفسِّرة، أو الناصبة و » لا « ناهية على الوجهين الأولين، ونافية على الثالث. وقد تقدم ما في ذلك من الإشكال. فالتقدير بأن لا تخافوا أي بانتفاء الخوف. وقال أبو البقاء : التقدير : بأن لا تخافوا، أو قائلين أن لا تخافوا فعلى الأول : هو حال، أي نزلوا بقولهم : لا تخافوا. وعلى الثاني : الحال محذوفة. قال شهاب الدين : يعني الباء المقدرة حالية، فالحال غير محذوفة وعلى الثاني الحال هو القول المقدر وفيه تسامح، وإلا فالحال محذوفة في الموضعين، وكما قام المقول مقام الحال كذلك قام الجار مقامها. وقرأ عبد الله » لا تخافوا « بإسقاط » أن « وذلك على إضمار القول، أي : يقولون لا تخافوا.
فصل
﴿ أن لا تخافوا ﴾ من الموت. قال مجاهد : لا تخافون على ما تَقْدَمُونَ عليه من أمر الآخرة ولا تحزنوا على ما خلَّفتم من أهل وولد، فإنا نخلفكم في ذلك كله.