رُوِيَ أن الرجل منهم كان يأخذ بيد ابنه ينطلق به إلى قوم نوحٍ - ﷺ - يقول : احذر هذا فإنه كذاب، وإن أبي قد مشى بي إلى هذا، وقال لي ما قلت لك فيموت الكبير على الكفر وينشأ الصغير على وصية أبيه.
قوله :« وَالمُؤْتَفِكَةَ » منصوب ب « أَهْوَى »؛ وقدم لأجل الفواصل. والمراد بالمؤتفكة قرى قوم لوط « أَهْوَى » أسقط، أي أهواها جبريلُ - ﷺ - بعد ما رفعها إلى السماء.
قوله :« فَغَشَّاهَا » أي ألْبَسَهَا الله « ما غشى » يعني الحجارة المصورة المسوَّمة. وقوله « مَا غَشَّى » كقوله « مَا أَوْحَى » في الإبهام وهو المفعول الثاني إن قلنا : إن التضعيف للتعدية، وإن قلنا : إنه للمبالغة والتكثير فتكون « ما » فاعله كقوله :﴿ فَغَشِيَهُم مِّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ ﴾ [ طه : ٧٨ ] والمؤتفكة المنقلبة. وقرىء : والْمُؤْتَفِكَاتُ.
فإن قيل : إذا كان معنى « المؤتفكة » المنقلبة ومعنى « أهوى » قلبها فيكون المعنى والمنقلبة قلبها وقلب المنقلبة تحصيل حاصل.
فالجواب : أن معناه المنقلبة ما انقلبت بنفسها بل الله قَلَبَها فانْقَلَبَتْ.
قوله :« فبأي » متعلق ب « تتمارَى » والباء ظرفية بمعنى « فِي » والآلاء النعم واحدها إلْي وإلى وأَلاً.
والمعنى فبأي نعم ربك تشك، وقرأ ابن مُحَيْصِن ويعقوب :« تَمَارَى » بالحذف كقوله :« تَذَكَّرُونَ ».

فصل


قيل : هذا أيضاً مما في الصحف. وقيل : هو ابتداء لكلام، والخطاب عام، والمعنى فبأي آلاء أي نعم ربك أيها الإنسان تتمارى تشك وتجادل. وقال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) : تكذب. وقيل : هذا خطاب مع الكافر.
قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يقال : خطاب مع النبي - ﷺ - ولا يقال : كيف يجوز أن يقول للنبي - ﷺ - تتمارى؟ لأنا نقول : هو من باب :﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [ الزمر : ٦٥ ] يعني لم يبق فيه إمكان الشك حتى أنّ فارضاً لو فرض النبي - ﷺ - ممن يشك أو يجادل في بعض الأمور الخفية لما كان يمكنه المراءُ في نعم الله تعالى. والصحيح العموم كقوله تعالى :﴿ ياأيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم ﴾ [ الانفطار : ٦ ] وقوله :﴿ وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾ [ الكهف : ٥٤ ].


الصفحة التالية
Icon