وقد تقدم ذلك محرراً في العُسْر واليُسْر في سورة المائدة.
وسمي الشديد نكراً، لأن النفوس تنكره، قال مالك بن عوف :

٤٥٨٣- أَقْدِمْ نَجَاحُ إنَّه يَوْمٌ نُكُرْ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ يَحْمِي وَيَكِرْ
وقرأ زيد بن علي والجحدري وأبو قِلاَبَة : نُكِرَ فعلاً ماضياً مبنياً للمفعول، لأن « نكر » يتعدى؛ قال تعالى :﴿ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ [ هود : ٧٠ ].

فصل


المعنى إلى شيء منكر فظيع، لم ير مثله فينكرونه استعظاماً، قال ابن الخطيب : وهو يحتمل وجهين :
أحدهما : أن المعنى إلى شيء نكر في يومنا هذا، لأنهم أنكروه أي يوم يدع الداعي إلى الشيء الذي أنكروه يَخْرُجُونَ.
الثاني : أن المعنى منكر أي يقول القائل كان ينبغي أن لا يقع ولا يكون لأن المنكر من شأنه أن لا يوجد يقال : فلان ينهى عن المنكر، وعلى هذا فهو عندهم كان ينبغي أن لا يقع، لأنه يُرْدِيهم في الهاوية.
فإن قيل : ما ذلك الشيء النكر؟
فأجيب : بأنه الحساب، أو الجمع له، أو النشر للجمع.
فإن قيل : النشر لا يكون منكراً، فإنه إحياء، لأن الكافر من أين يعرف وقت النشر ما يجري عليه لينكره.
فالجواب : أنه يعلم ذلك لقوله تعالى عنهم :﴿ ياويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ﴾ [ يس : ٥٢ ].
قوله :« خَاشِعاً أَبْصَارُهُمْ » قرأ أبو عمرو والأخوان خاشعاً، وباقي السبعة خُشَّعاً، فالقراءة الأولى جارية على اللغة الفصحى من حيث إنَّ الفعلَ وما جرى مجراه إذا قدم على الفاعل وُحِّدَ تقول : تَخْشَعُ أَبْصَارُهُمْ، ولا تقول : يَخْشَعْنَ أَبْصَارُهُمْ، وأنشد ( - رحمةُ الله عليه - ) :
٤٥٨٥- وَشَبَابٍ حَسَنٍ أَوْجُهُهُمْ مِنْ إِيَادِ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدْ
وقال آخر :
٤٥٨٥- تَلْقَى الفِجَاجَ بِهَا الرُّكْبَانُ مُعْتَرِضاً أَعْنَاقَ بُزَّلِهَا مُرْخًى لَهَا الْجُدُلُ
وأما الثانية فجاءت على لغة طَيِّىءٍ، يقولون : أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ، وقد تقدم القول على ذلك في المائدة والأنبياء ومثله قوله :
٤٥٨٦- بِمُطَّرِدٍ لَدْنٍ صِحَاحٍ كُعُوبُهُ وَذِي رَوْنَقٍ عَضْبٍ يَقُدُّ الْقَوَانِسَا
قيل : وجمع التكسير في اللغة في مثل هذا أكثر من الإفراد. وقرأ أبيّ وعبد الله : خَاشِعَةً على تَخْشَعُ هِيَ.
وقال الزمخشري : و « خُشَّعاً » على يَخْشَعْنَ أبْصَارُهُمْ. وهي لغة من يقول : أَكَلُوني البراغيثُ وهي طيىء.
قال أبو حيان : ولا يجري جمع التكسير مَجْرى جمع السلامة فيكون على تلك اللغة النادرة القليلة. وقد نص سيبويه على أن جمع التكسير أكثر في كلام العرب فكيف يكون أكثر ويكون على تلك اللغة القليلة؟ وكذا قال الفراء حين ذكر الإفْراد مذكراً ومؤنثاً وجمع التكسير، قال : لأن الصِّفة متى تقدمت على الجماعة جاز فيها ذلك، والجمع موافق للفظها فكان أشْبَه.
قال أبو حيان : وإنما يخرج على تلك اللغة إذا كان الجمعُ جمعَ سلامة نحو : مَرَرْتُ بقَوْمٍ كريمين آباؤهم والزمخشري قاس جمع التكسير على جمع السلامة وهو قياس فاسد يرده النقل عن العرب أن جمع التكسير أجود من الإفراد كما ذكره سيبويه ودل عليه كلام الفراء.


الصفحة التالية
Icon