قال شهاب الدين : وقد خرج الناس قول امرىء القيس :
٤٥٨٧- وُقُوفاً بِهَا صَحْبِي عَلَى مَطِيِّهِمْ... يَقُولُون : لاَ تَهْلَكْ أَسًى وَتَجمَّلِ
على أن صحبي فاعل ب « وُقُوفاً » وهو جمع « واقف » في أحد القولين في « وُقُوفاً ».
وفي انتصاب « خاشعاً وخشعاً وخاشعة » أوجهٌ :
أحدها : أنه مفعول به وناصبه ( يَدْعُ الدَّاعِ ). وهو في الحقيقة ( صفة ) لموصوف محذوف تقديره فَرِيقاً خَاشِعاً أو فَوْجاً خَاشِعاً.
والثاني : أنه حال من فاعل ( يَخْرُجُونَ ) المتأخر عنه، ولما كان العامل متصرفاً جاز تقدم الحال عليه، وهو رد على الجَرْمي، حيث زعم أنه لا يجوز، ورد عليه أيضاً بقول العرب :( شَتَّى تَؤُوبُ الحَلْبةُ ) « فشتى » حال من الحَلْبة، وقال الشاعر :

٤٥٨٨- سَرِيعاً يَهُونُ الصَّعْبُ عِنْدَ أُولِي النُّهَى إذَا بِرَجَاءٍ صَادِقٍ قَابَلُوا الْبَأسَا
الثالث : أنه حال من الضمير في ( عَنْهُمْ ). ولم يذكر مَكّيّ غيره.
الرابع : أنه حال من مفعول ( يَدْعُو ) المحذوف تقديره : يَوْمَ يَدْعُوهُمُ الدَّاعي خُشَّعاً؛ فالعامل فيها ( يدعو ). قاله أبو البقاء. وارتفع أبصارهم على وجهين :
أظهرهما : الفاعلية بالصفة قبله.
الثاني : على البدل من الضمير المستتر في ( خُشَّعاً ) ؛ لأن التقدير خُشَّعاً هُمْ، وهذا إنما يأتي على قراءة خشعاً فقط.
وقرىء خُشَّعٌ أَبْصَارُهُمْ على أن « خشعاً » خبر مقدم، و « أبصارهم » مبتدأ، والجملة في محل نصب على الحال وفيه الخلاف المذكور من قبل كقوله :
٤٥٨٩-...................... وَجَدْتُهُ حَاضِرَاه الجُودُ وَالْكَرَمُ

فصل


قال ابن الخطيب، لما حكى نصب « خاشعاً »، قال : إنه منصوب على أنه مفعول بقوله :« يَدْعُو » أي يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي خُشَّعاً.
فإن قيل : هذا فاسد من وجوه :
أحدها : أن الشخص لا فائدة فيه؛ لأن الداعي يدعو كل أحدٍ.
ثانيها : قوله :﴿ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث ﴾ بعد الدعاء فيكونون خشعاً قبل الخروج وهو باطل.
ثالثهما : قراءة خاشعة تبطل هذا!
نقول : أما الجواب عن الأول فإن قوله :﴿ إلى شَيْءٍ نُّكُرٍ ﴾ يدفع ذلك، لأن كل أحد لا يدعى إلى شيء نكر، وعن الثاني المراد من الشيء النكر الحساب العسير يوم يدع الداعي إلى الحساب العسير خشعاً ولا يكون العامل في ( يوم ) يدعو « يَخْرُجُونَ » بل « اذكروا » و ﴿ فَمَا تُغْنِ النذر ﴾ [ القمر : ٥ ] كقوله تعالى :﴿ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشافعين ﴾ [ المدثر : ٤٨ ] ويكون :« يَخْرُجُونَ » ابتداء كلام، وعن الثالث أنه لا منافاة بين القراءتين وخاشعاً نصب على الحال أو على أنه مفعول يدعو كأنه يقول : يدعو الداعي قوماً خاشعاً أبصارهم.
( والخشوع ) السكون كما قال تعالى :﴿ وَخَشَعَتِ الأصوات ﴾ [ طه : ١٠٨ ]، وخشوع الأبصار سكونها على حال لا تتلفّت يمنة ولا يسرة كما قال تعالى :﴿ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ﴾ [ إبراهيم : ٤٣ ]. وقيل : خاشعة أي ذليلة خاضعة عند رؤية العذاب.


الصفحة التالية
Icon