وهذه طريقة حسنة في تقرير زيادة الكاف، وفيها حسن صناعةٍ.
الثاني : أن « مثل » هي الزائدة كزيادتها في قوله تعالى :﴿ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ ﴾ [ البقرة : ١٣٧ ] قال الطبريُّ : كما زيدت الكاف في قوله :
٤٣٧٢ وَصَالِيَاتٍ كَكَمَا يُؤَثْفِينْ... وفي قوله :
٤٣٧٣ فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأْكُول... وهذا ليس بجيد، لأن زيادة الأسماء ليست بجائزة، وأيضاً يصير التقدير : ليس كهو شيء. ودخول الكاف على الضمائر لا يجوز إلا في شعر.
الثالث : أن العرب تقول :« مِثْلُكَ لاَ يَفْعَلُ كَذَا » يعنون المخاطب نفسه؛ لأنهم يريدون المبالغة في نفي الوصف عن المخاطب فينفونها في اللفظ عن مثله، فثبت انتفاؤها عنه بدليلها ومنه قول الشاعر ( رحمة الله عليه ) :
٤٣٧٤ عَلَى مِثْلِ لَيْلَى يَقْتُلُ المَرْءُ نَفْسَهُ... وَإِنْ بَاتَ مِنْ لَيْلَى عَلَى النَّاسِ طَاوِيَا
وقال أوس بن حجر :
٤٣٧٥... ولَيْسَ كَمِثْلِ الفَتَى زُهَيْر
خَلْقٌ يُوَازِيهِ فِي الفَضَائِلِ... وقال آخر :
٤٣٧٦ وَقَتْلَى كَمِثْلِ جُذُوعِ النَّخِيلِ... تَغَشَّاهُمُ مُسْبِلٌ مُنْهَمِرْ
وقال آخر :
٤٣٧٧ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ إذَا أَبْصَرْتَ فَضْلَهُمُ... فَمَا كَمِثْلِهِم في النَّاس مِنْ أَحَدِ
قال ابن قتيبة : العرب تٌقِيمُ المِثْلَ مُقَامِ النَّفْس فتقول :« مِثْلِي لاَ يُقَالُ لَهُ هَذَا » أي أنا لا يقال لي. قيل : ونسبة المثل إلى من لا مثل له قولك : فلانٌ يده مبسوطةٌ، يريد : أنه جواد، ولا نظير له في الحقيقة إلى اليد حتى تقول ذلك لمن لا يد له كقوله :﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ [ المائدة : ٦٤ ].
الرابع : أن يراد بالمثل الصفة، وذلك أن المثل بمعنى المثل، والمثل الصفة كقوله ﴿ مَّثَلُ الجنة ﴾ [ محمد : ١٥ ]، فيكون المعنى ليس مثل صفته تعالى شيء من التي لغيره ( وهو مَحْمِلٌ سَهْلٌ ).
فصل
قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) معناه ليس له نظير « وهو السميع البصير » أي سامعاً للمسموعات بصيراً للمرئيات.
فإن قيل : قوله :﴿ وهو السميع البصير ﴾ يفيد الحصر، فما معنى هذا الحصر مع العباد أيضاً موصوفون بكمونهم سميعين بصيرين؟!.
فالجواب :« السمعي البصير » لفظان مشرعان بحصول هاتين الصفتين على سبيل الكمال والكمال في كل الصفات وليس إلا الله، فهذا هو المراد من هذا الحصر.
قوله تعالى :﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السماوات والأرض ﴾ أي مفاتيح الرزق في السموات والأرض، قال المفسرون : مفاتيح السموات : الأمطار. ومقاليد الأرض : النبات وتقدم الكلام على المقاليد في الرمز. ﴿ يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ﴾ لأن مفاتحي الأرزاق بيده ﴿ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ من البسط والتقدير « عَلِيمٌ ».
قوله تعالى :﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين... ﴾ الآية لمَّا عظم وحيه إلى محمد عليه الصَّلاة والسَّلام بقوله :﴿ كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ﴾ ذكر في هذه الآية تفصيل ذلك فقال :﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً ﴾ أي بين لكم من الدين يا أصحاب محمد ما وصى به نوحاً وهو أول أنبياء الشريعة.