قوله :﴿ وَيَعْفُواْ عَنِ السيئات ﴾ إما أن يكون المراد منه أن يعفو عن الكبائر بعد التوبة، مأو المراد أن يعفو عن الصغائر أو المراد : إن يعفو عن الكبائر قبل التوبة.
والأول باطل وإلا صار قوله :﴿ وَيَعْفُواْ عَنِ السيئات ﴾ عين قوله :﴿ وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ ﴾ والتكرار خلاف الأصل ).
والثاني أيضاً باطل؛ لأن ذلك واجبٌ، وأداء الواجب لا يمدح به فبقي القسم الثالث فيكون المعنى أنه تارة يعفو بواسطة قبول التوبة، وتارة يعفو ابتداء من غير توبة.
فصل
روى أنس ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله ﷺ :« للهُ أشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بأرْضٍ فَلاَةٍ فانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهضا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرةً فاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنضا هُوَ كَذَلِكَ إذْ هُوَ بِهَا قَائِمةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخُطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ : اللَّهُمَّ أنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ » أخطأ من شدَّة الفَرَحِ.
قوله :﴿ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ قرأ الأخوان وحَفْصٌ يَفْعَلُونَ بالياء من تحت؛ نظراً إلى قوله :« مِنْ عِبَادِهِ » وقال بعده :﴿ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ﴾ والباقون بالخطاب إقبالاً على اناس عامةً، وهو خطاب للمشركين.
قوله تعالى :﴿ الذين آمَنُواْ ﴾ يجوز أن يكون الموصول فاعلاً أي يجيبون ربهم إذا دعاهم كقوله تعالى :﴿ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [ الأنفال : ٢٤ ] واستجاب كأجاب، ومنه قوله الشاعر :
٤٣٨١ وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إلَى النَّدَى | فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَلِكَ مُجِيبُ |
قوله تعالى :﴿ وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض ﴾، قال خَبَّاب بن الأرتِّ : فينا نزلت هذه الآية، وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قُرَيْظَة والنَّضير وبني قَينقاعَ وتمنيناها فأنزل الله تعالى ﴿ وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ ﴾، لطغوا في الأرض، قال ابن عباس ( رضي الله عهنما ) : بغيهم طَلَب ( هم ) منزلةً بعد منزلة، ومركباً بعد مركب وملبساً بعد ملبس، ولكن ينزل أرزاقهم قدر ما شاء نظراً منه لعباده.