( قرأ ابن كثير وأبو عمر يُنَّزِّلُ مشددة، والباقون مخففة ) إنَّه بعباده خبيرٌ بصيرٌ. روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله علهي وسلم عن جبريل عن الله تعالى في حديث طويل وفيه يقول الله عزَّ وجلَّ :« ما تَرَدَّدْتُ في شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي في قَبْضِ رُوحِ عَبْدِي المُؤْمِن يَكْرَهُ المَوْتَ وأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ وَلا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وإنَّ مِنْ عِبَادِي المُؤْمِنِينَ لمَنْ يَسْأَلُنِي البَابَ عَنِ العِبَادَةِ فأَكُفُّهُ عَنْهُ ( أّنْ ) لاَ يَدْخُلَهُ عُجْبٌ فيُفْسِدَهُ ذَلِكَ وَإنَّ مِنْ عِبَادِي المُؤْمِنِينَ لمَنْ لاَ يُصْلِحُ إيمَانَهُ إلاَّ الغِنَى وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وإنَّ مِنْ عِبَادِي ( المُؤمِنِينَ ) لمَنْ لاَ يًصْلِحُ إيمَانهُ إلاَّ الفَقْرُ ولو أَعْنَيْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وإنَّ مِنْ عِبَادِي ( المُؤْمِنِينَ ) لمَنْ لاَ يًصْلِحُ إيمانَهُ إلاَّ الصِّحَّةُ، وَلَوْ أَسْقَمتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وإنَّ مِنْ عِبَادِي ( المُؤْمِنِينَ ) لمَنء لاَ يُصْلِحُ إيمَانَهُ إلاَّ السَّقَمُ وَلَوْ أَصْحَحْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ وذّلِكَ أَنِّي أُدَبِّرُ أَمْرَ عِبَادِي بِعِلْمِي بِقُلُوبِهِمْ ِإنِّي عَلِيمٌ خَبِيرٌ ».

فصل


وجه التعلق أنه تعالى لما قال في الآية الأولى إنه يجيب دعاء المؤمنين وَرَدَ عليه سؤالٌ وهو أن المؤمن قد يكون في شدة وبليَّةٍ وفَقْر ثم يدعو فلا يظهر أثر الإجابة فكيف الجمع بينه وبين قوله : ويستجيب الذين آمنوا؟! فأجاب تعالى عنه بقوله :﴿ وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض ﴾، ولأقدموا على المعاصي، فلذلك وجب أن لا يعطيهم ما طلبوه، ويؤيده الحديث المتقدم.

فصل


قال الجبائِيُّ : هذه الآية تدل على فساد قول المجبرة من وجهين :
الأول : أنه تعالى لو بسط الرزق لعباده لبغوا في الأرض غير مراد، فعلمنا أنه تعالى لا يريد البَغْيَ في الأرض، وذلك يوجب فساد قول المجبرة.
الثاني : أنه تعالى إنما لم يرد بسط الرزق؛ لأنه يفضي إلى المفسدة، فلما بين تعالى أنه لا يريد ما يفضي إلى المفسدة فبأن لا يكون مريداً للمفسدة كان أولى.
وأجيب : بأن الميل إلى البغي والقسوة والقهر صفة حدثت بعد أن لم تكن، فلا بد لها من فاعل وفاعل هذه الأحوال إما البعد أو الله، والأول باطل؛ لأنه إنما يفعل هذه الأشياء لو مال طبعه إليه وعاد السؤال في أنه من المحدث لذلك الميل الثاني؟ ويلزم التسلسل، وأيضاً فالميل الشديد إلى الظلم والقسوة عيوبٌ ونقصاناتٌ، والعاقل لا يرضى بتحصيل موجبات النقصان لنفسه، ولما بطل هذا ثبت أن محدث هذا الميل والرغبة هو الله تعالى.
ثم أوده الجبائي على نفسه سؤالاً :
فإن قيل : أليس قد يبسط الرزق لبعض عباده مع أنه يبغي؟!.
فأجاب عنه : بأن الذي يبسط الرزق إذا بغى كان المعلوم من حاله أنه يبغي على كل حال سواء أُعْطِيَ ذلك الرزق أو لم يُعْطَ. قال ابن الخطيب : هذا الجواب فاسد، ويدل عليه القرآن والعقل أما القرآن فقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon