﴿ كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى ﴾ [ العلق : ٦٧ ] حكم مطابق لكن حصول الغنى سبب لحصول الطغيان وأم العقل فهو أن النفس إذا كانت مائلةً إلى الشر فمعحصول الغنى تميل إلى الشر أكثر، فثبت أن وجدان المال يوجب الطغيان.
فصل
في كون بسط الرزق موجباً للطغيان وجوه :
الأول : أن الله تعالى لو سوَّى في الرزق بين الكل لا متنع كون البعض محتاجاً إلى البعض، وذلك يوجب خراب العالم وتعطيل المصالح.
الثاني : أن هذه الأية مختصة بالعرب. فإنه كلما اتسع رزقهم، ووجدوا من ماء المطر ما يرويهم ومن الكلأ والعشب ما يشبعهم، أقدموا على النهب والغارة.
الثالث : أن الإنسان متكبر بالطبع، فإذا وجد الغنى والقدرة عاد إلى مقتضى خلقته الأصلية وهو التكبر وإذا وقع في شدة وبليَّة ومكروه انكسر وعاد إلى التواضع والطاعة.
قوله تعالى :﴿ وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الغيث ﴾ أي املطر ﴿ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ ﴾ من بعد ما يئس الناسُ منه. وإنزال الغيب بعد القنوط أدعى إلى الشكر؛ لأن الفرح بحصول النعمة بعد البلية أتمُّ.
قال الزمخشري : قرىء قنطوا، بفتح النون وكسرها. ( فأما فتح النون فهي قراءة العامة، وأما كسرها فهي قراءة يحيى بن وثَّاب، والأعمش وهي لغة وعليها قراءة :﴿ يَقْنَطُ ﴾ [ الحجر : ٥٦ ] ﴿ لاَ تَقْنَطُواْ ﴾ [ الزمر : ٥٣ ] بفتح النون في المتواتر. ولم يقرأ في الكسر في الماضي إلا شاذاً و « ما » مصدرية أي من بعد قُنُوطِهِمْ ). قال مقاتل : حبس الله المطر عن أهل مكة سبع سنين حين قنطوا، ثم أنزل الله المطر فذكرهم الله نعمه.
قوله :﴿ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ﴾ يبسط مطره، كما قال :﴿ وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْرىً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾ [ الأعراف : ٥٧ ] وهو الولي الحميد. « الوَلِيُّ » : الذي يتولى عباده بإحاسنه « الحَميد » المحمود على ما يوصل إلى الخلق من الرحمة وقيل :« الولي » لأهل طاعته، « الحميد » عند خلقه.