قوله تعالى :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات والأرض... ﴾ الآية قد تقدم الكلام على دلالة خلق السموات والأرض والحيوانات على وجود الإله الحيكم.
فإن قيل : كيف يجوز إطلاق لفظ الدابَّة على الملائكة؟!.
فالجواب : فيه وجوه :
الأول : أنه قد يضاف الفعل إلى جماعة، وإن كان فاعله واحداً منهم كما يقال :« بَنُو فُلاَنٍ فَعَلُوا كََذَا »، وإنما فعله واحدٌ م نهم ومنه قوله :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ﴾ [ الرحمن : ٢٢ ].
الثاني : أن الدابة عبارة عما فيه الروح والحركة، والملائكة لهم الروح والحركة.
الثالث : لا يبعد أن يقال : إنه تعالى خلق في السموات أنواعاً من الحيوانات يمشون مشي الأناس على الأرض. وروى العبَّاس ( رضي الله عنه ) أن رسول الله ﷺ قال :« فوق السماء السابعة بحر ( بين ) أسفله وأعله كما بين السماء والأرض، ثم فوق ذلك ثمانية أوعاٍ بين رُكَبِهِنَّّ وأَضلاَفِهِنَّ كما بين السَّمَاءِ والأرْضِ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِك العَرْش... » الحديث.
قوله :« وَمَا بَثَّ » يجوز أن تكون مجرورة المحل عطفاً على « السموات » أو مرفوعته عطفاً على « خلق »، على حذف مضاف أي وخلق ما بثَّ. قاله أبو حيان. وفيه نظر؛ لأنه يئول إلى جره بالإضافة « لِخَلق » المقدر فلا يعدل عنه.
قوله :« إذَا يَشَاءَ » « إذَا » منصوبة « بجَمْعِهِمْ » لا « بِقَدِيرٍ »، قال أبو البقاء : لأن ذلك يؤدي إلى أن يصير المعنى : وهو على جمعهم قدير إذا يشاء، فتتعلق القدرة بالمشيئة وهو محال. قال شهاب الدين : وَلاَ أدري ما وجه كونه محالاً على مذهب أهل السنة، فإن كان يقول المعتزلة، وهو القدرة تتعلق بما لم يشأ الله مشى كلامه، ولكنه مذهب رديء لا يجوز اعتقاده. ونقول : يجوز تعلق الظرف به أيضاً. قال الزمخشري :« إذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ »، والمقصود أنه تعالى خلقها لا لعجز ولا لمصلحة ولهذا قال :﴿ والليل إِذَا يغشى ﴾ [ الليل : ١ ] ٍ، يعنى الجمع والحشر والمحاسبة.

فصل


احتج الجبَّائيُّ بقوله : إذا يشاء قدير على أن مشيئة الله تعالى محدثةٌ، قال : لأن كلمة « إذا » ظرف لما ( لم ) يستقبل من الزمان ولكمة « يَشَاءُ » صيغة المستقبل فلو كانت مشيئته تعالى قديمة لم يكن لتخصيصها بذلك الوقت المستقبل فائدة، ولما دل قوله :« إذَا يَشَاءُ » على التخصيص علمنا أن مشيئته تعالى محدثة.
وأجيب : بأن هاتين الكلمتين كما دخلتا على المشيئة فقد دخلتا أيضاً على لفظ « القَدِير » فلزم على هذا أن تكون قدرته صفة محدثة، ولما كان هذا باطلاً فكذا القول في المشيئة.
قوله :﴿ وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ قرأ نافع وابن عامر بما كسبت بغير فاء، الباقون بالفاء « فما » في القراءة الأولى الظاهر أنها موصولة بمعنى الذي، والخبر الجار من قوله « بما كسبت ».


الصفحة التالية
Icon