وقال قوم منهم أبو البقاء : إنها شرطية حذفت منها الفاء، قال أبو البقاء : كقوله تعالى :﴿ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [ الأنعام : ١٢١ ]
وقول الآخر :
٤٣٨٢ مَنْ يَفْعَل الحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا | ........................... |
وأما القراءة الثانية، فالظاهر أنها فيها شرطية. وقال أبو البقاء : إنَّه ضَعيفٌ ولا يلتفت إلى ذلك. ويجوز تكون موصولة، والفاء داخلة في الخير تشبيهاً للموصول بالشرط بشروط مذكورة في هذا الكتاب. وقد وافق نافع وابن عامر مصاحفهما، فإن الفاء ساطقة من مصاحف المدينة والشام، وكذلك الباقون، فإنها ثابتة في مصاحف مكَّة والعراق.
فصل
اختلفوا فيما يحصل في الدنيا من الآلام والأسقام، والقَحط، والغَرَق، والمصائب هي هي عقوبات على ذنوب سلفت أم لا؟ فمنهم من أنكر ذلك لوجوه :
الأول : قوله تعالى :﴿ اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [ غافر : ١٧ ] بيّن تعالى أن ذلك إنما يحصل يوم القيامة وقال تعالى :﴿ مالك يَوْمِ الدين ﴾ [ الفاتحة : ٤ ] أي يوم الجزاء، وأجمعوا على أن المراد منه يوم القيامة.
الثاني : مصائب الدنيا يشترك فيها الزنديق، والصِّدِّيق، فيمتنع أن يكون عقوبة على الذنوب، بل حصول المصائب ( للصالحين ) والمتقين أكثر منه للمذنبين، ولهذا قال عليه الصَّلاة والسَّلام :« خُصَّ البَلاَءُ بالأَنْبِيَاءِ ثُمَّ الأَمْثَل فالأَمْثَلِ ».
الثالث : أن الدنيا دار تكليف، فلو حصل الجزاء فيها لكانت دار تكليف ودار جزاء معاً وهو محالٌ. وقال آخرون : هذه المصائب قد تكون أَجزيةً على ذنوب متقدمة لهذه الآية، ولما روى الحسن قال : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله ﷺ « والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ خَدْشِ عُودٍ ولا عَثْرةِ قَدَمٍ وَلاَ اخْتِلاَجِ عِرْقٍ إلاَّ بِذَنْبٍ وَمَا يَعْفُو اللهُ عَنْهُ أَكْثَرُ ».
قال علي بن أبي طالب :« أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَفْضَلِ آيَةَ في كِتَابِ اللهِ حَدَّثَنا بِهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ :» وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فبمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوعَنْ كَثِيرٍ « ( قال ) : وَسَأفسِّرُها لَكَ يَا عَلِيُّ مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عُقُوبَةٍ أَوْ بَلاَءٍ في الدُّنْيَا فبمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ واللهُ عَزَّ وجَلَّ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُثْنِيَ عَلَيْكُمْ العُقُوبَةَ في الآخِرَةِ، وَمَا عَفَا اللهُ عَنْهُ في الدُّنْيَا، فَالله أَحْلَمُ مِنْ أنْ يَعُودَ بعد عَفْوِهِ. وتمسكوا أيضاً بقوله تعالى بعد هذه الآية :﴿ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا ﴾ » وذلك تصريح بأن ذلك الاهلاك بسبب كسبهم. وأجاب الأولون بأن حصول هذه المصائب يكون من باب الأمتحان في التكليف، لا من باب العقوبات، كما في حق الإنبياء والأولياء.