ويجوز أن يكون « هم » توكيد للفاعل في قوله :« غضبوا »، وعلى هذا فيغفرون جواب الشرط. وقال أبو البقاء : هم مبتدأ، ويغفرون الخبر، والجملة جواب إذا.
قال شهاب الدين : وهذا غير صحيح، لأنه لو كان جواباً لإذا لاقترن بالفاء، تقول : إذا جاء زيدٌ فعمرو منطلق، ولا يجوز : عمرو ينطلق. وقيل :( هم ) مرفوع بفعل مقدر يفسره « يغفرون » بعده ولما حذف الفعل انفصل الضمير. ولم يستبعده أبو حيان، وقال : ينبغي أن يجوز ذلك في مذهب سيبويه، لأنه أجازه في الأداة الجازمة تقول : إنْ يَنْطَلِقْ زَيْدٌ ينطلق تقديره : ينطلق زيد ينطلق فينطلق واقع جواباً ومع ذلك فسَّر الفعل فكذلك هذا. وأيضاً فذلك جائز في فعل الشرط بعدها نحو : إذا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فليجز في جوابها أيضاً.
فصل
وإذا ما غضبوا هم يغفرون يَحْلِمُونَ ويَكْظِمُونَ الغيظ، وخص الغضب بلفظ الغفران؛ لأن الغضب على طبع النار واستيلاؤه شديد ومقاومته صعبة، فلهذا خصه الله تعالى بهذا اللفظ.
قوله ( تعالى ) :﴿ والذين استجابوا لِرَبِّهِمْ ﴾ أي أجابوه إلى ما دعاهم إليه من طاعته. وقال ابن الخطيب : المراد منه تمام الانقياد.
فإن قيل : أليس أنه لما حصل الإيمان فيه شرطاً فقد دخل في الإيمان إجابة الله؟!
والجواب : أن يحصل هذا على الرضا بضاء الله من صميم القلب وأن لا يكون في قلبه منازعة. ثم قال :« وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ » أي الواجبة لأن هذا هو الشرط في حصول الثواب.
قوله :﴿ وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ ﴾ أي يتشاورون فيما يبدوا لهم ولا يجعلون. والشُّورَى مصدر كالفتيا بمعنى التَّشاور. ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾.
قوله :﴿ والذين إِذَآ أَصَابَهُمُ البغي ﴾ أي الظلم والعدوان « هُمْ يَنْتَصِرُونَ » أي ينتقمون من ظالمهم من غير أن يعتدوا. قال ابن زيد : جعل الله المؤمنين صنفين : صنف يعفون عن ظالمهم فبدأ بذكرهم وهو قوله :﴿ وإذا ما غضبوا هم يغفرون ﴾ وصنف ينتصرون نم ظالهم وهم المذكورون في هذه الآية كانوا يكرهون أن يستذلوا، فإذا قدروا عفوا. وقال عطاء : هم المؤمنون الذي أخرجهم الكفار من مكة وبغوا عليهم، ثم مكنهم الله في الأرض حتى انتصروا ممن ظلمهم. وعن النَّخعيِّ أنه كان إذا قرأها قال : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترىء عليهم السفهاء.
فإن قيل : هذه الآية مشكلة لوجهين :
الأول : أنه لما ذكر قبله : وإذا ما غضبوا هم يغفرون كيف يليق أن يذكر معه ما يَجْرِي مَجْرَى الضد له وهم الذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون؟!
الثاني : أن جميع الآيات دالة على أن العفوا أحسن. قال تعالى :﴿ وَأَن تعفوا أَقْرَبُ للتقوى ﴾ [ البقرة : ٢٣٧ ] وقال :﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ﴾ [ الفرقان : ٧٢ ] وقال ﴿ خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين ﴾ [ الأعراف : ١٩٩ ] وقال :﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ ﴾