وقال الراغب : الواحد دَسْرٌ فيكون مثل سَقْف وسُقُف وقال البغوي : واحدها دِسَار ودَسِيرٌ.
وأصل الدسر الدفع الشديد بقهر ( و ) دَسَرَهُ بالرمح. ومُدْسِر مثل مُطْعِن وروي : ليس في العنبر زَكاة إنَّما هُوَ شَيءٌ دَسَرَهُ البَحْرُ أي دفَعَهُ.
وقيل : إنها الخيوط التي تشد بها السفن. وقيل : هي عراض السفينة وقيل : أضلاعها. وقال الحسن الدسر صدر السفينة، سميت بذلك لأنها تَدْسُرُ الماء بجؤجؤها أي تدفع. وقال الضحاك : الدسر أَلْوَاحُ جَانِبَيْهَا.
قوله :« تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا » أي بمَرْأى منَّا. وقال مقاتل : بأعيننا أي بحفظنا، لقولك : اجْعَل هذا نصب عينك. وقيل : بالأعين النابعة من الأرض. وقيل : بأعين أوليائنا من الملائكة. فقوله : بأعيننا أي ملتبسة بحفظنا، وهو في المعنى كقوله تعالى :﴿ وَلِتُصْنَعَ على عيني ﴾ [ طه : ٣٩ ].
وقرأ زيد ( بن ) علي وأبو السَّمَّال بأَعْيُنَّا بالإدغام. وقال سفيان : معناه بأمرنا.
قوله :( جزاء ) منصوب على المفعول له، نَاصبُهُ ( فَفَتَّحْنَا ) وما بعده.
وقيل : منصوب على المصدر إما بفعل مقدر أي جَازَيْنَاهُم جَزَاءً، وإما على التجوز بأن معنى الأفعال المتقدمة جازيناهم بها جزاءً.
قوله :﴿ لِّمَن كَانَ كُفِرَ ﴾ العامة على كُفِرَ مبنيًّا للمفعول، والمراد بمَنْ كُفِرَ : نوح - ﷺ - أو الباري تعالى.
وقرأ مُسَيْلَمَةُ بْنُ مُحَارِبٍ كُفْرَ بإسكان الفاء، كقوله :
٤٥٩٧- لَوْ عُصْرَ مِنْهُ المِسْكُ وَالبَانُ انْعَصَرْ... وقرأ يزيد بن رومان وعيسى وقتادة : كَفَرَ، مبنياً للفاعل.
والمراد ب « مَنْ » حينئذ قَومُ نوح. و « كَفَر » خبر كان. وفيه دليل على وقوع خبر كان ماضياً من غير قد. وبعضُهمْ يقول : لا بد من ( قد ) ظاهرةً أو مضمرة.
ويجوز أن تكون كان مزيدة، وأما كفرهم ففيه وجهان :
أحدهما : أن يكون « كَفَرَ » مثل شَكَرَ تعدى بحرف وبغير حرف، يقال : شَكَرْتُهُ وشَكَرْتُ لَهُ، قال تعالى :﴿ واشكروا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ﴾ [ البقرة : ١٥٢ ].
وقال :﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت ﴾ [ البقرة : ٢٥٦ ].
الثاني : أن يكون من الكفر لا من الكُفْرَان أي جزاء لمن ستر أمره وأنكر شأنه، أو جزاء لمن كفر به.
فصل
المعنى فعلنا به من إنجاء نوح وإغراق قومه ثواباً لمن كفر به وجُحِدَ أمره وهو نوح - ﷺ -. وقيل :« مَنْ » بمعنى « ما » أي جزاء لما كان كفر من أيادي ونقمة عند الذين غرقهم، وجزاء لما صنع بنوحٍ وأصحابه.
واللام في « لِمَنْ » لام المفعول له. والجزاء هنا بمعنى العقاب أي عقاباً لكفرهم.
قوله :﴿ وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً ﴾ ضمير تركناها إمَّا للقصة أو للفِعْلَة التي فعلناها آية يعتبر بها، أو السفينة. وهو الظاهر. والمعنى تركناها أي أبقاها الله بباقِرْدى من أرض الجزيرة آيةً أي عبرة حتى نظرت إليها أوائلُ هذه الأمة، وكانت على الجُوديِّ. وقيل : بأرض الهِنْدِ، ومعنى تركناها أي جعلناها، لأنها بعد الفراغ منها صارت متروكة ومجعولة.