روي أنهم تعنتوا على صالح فسألوه أن يخرج لهم من صخرة ناقةً حمراءَ عُشَرَاءَ، فقال الله :﴿ إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة فِتْنَةً لَّهُمْ ﴾ محنةً واختباراً؛ فقوله :« فتنة » مفعول له؛ لأن المعجزة فتنة؛ لأن بها يتميز المُثَابُ من المعذب، فالمعجزة تصديق، وحينئذ يفترق المصدِّق من المُكَذِّب.
أو يقال : إخراج الناقة من الصخرة معجزة، ودورانها بينهم، وقسمة الماء كان فتنةً، ولهذا قال :« إنَّا مُرْسِلُواْ » ولم يقل : مُخْرِجُو.
قوله :« فَارْتَقِبْهُمْ » أي انتظر ما يصنعون « وَاصْطَبِرْ » أي اصبر على أَذَاهُمْ وأصل الطاء في « اصْطَبِرْ » « تاء » فتحولت طاءً، لتكون موافقةً للصاد في الإطباق.
قوله :« وَنَبِّئْهُمْ » أي أخبرهم ﴿ أَنَّ المآء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ﴾ أي بين آل ثمود وبين الناقة لها يوم ولهم يوم، كقوله تعالى :﴿ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴾ [ الشعراء : ١٥٥ ] فالضمير في ( بينهم ) لقوم صالح والناقة فغلّب العاقل.
وقرأ العامة : قِسْمة بكسر القاف - ورُوِيَ عن أبي عمرو فَتْحُها - وهو قياس المرة. والمعنى : أن الماءَ مقسومٌ بَيْنَهُمْ فوصف بالمصدر مبالغة، كقولك : فُلانٌ عَيْنُ الكرم.
قوله :﴿ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ ﴾ أي يحضره من هُو له، فالناقة تحضر الماء يوم وُرُودِهَا وتغيب عنهم يوم وُرُودِهِمْ. قاله مقاتل. وقال مجاهد : إن ثمود يحضرون الماء يوم غَبِّها عنهم فيشربون، ويحضرون اللبن يوم ورودها فيحتلبون. والشِّرْبُ - بالكسر - الحظ من الماء. وفي المثل : آخرها أقلُّها شِرْباً وأصله من سقي الإناء، لأن آخرها يرد وقد نَزفَ الحَوْضُ.
واعلم أن قسمة الماء إما لأن الناقة عظيمةُ الخَلْق ينفر منها حيواناتهم فكان يوم للناقة ويوم لهم، وإما لقلة الماء فلا يحملهم، وإما لأن الماء كان مقسوماً بينهم لكل فريق منهم فيوم وُرُودِ الناقة على هؤلاء يرجعون على الآخرين وكذلك الآخرون فيكون النُّقْصَان على الكل، ولا تختص الناقة بجميع الماء.
رُوِيَ أنهم كانوا يكتفون في يوم ورودها بلبنها، وليس في الآية إلا القسمة دون كيفيتها، وظاهر قوله تعالى :﴿ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ ﴾ يعضد الوجه الثالث، وحَضَر واحْتَضَرَ بمعنًى واحد.
قوله :« فَنَادَوْا صَاحِبَهْم » قبله محذوف أي فتمادوا على ذلك ثم عزموا على عقرها فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر. و « تعاطى » مطاوع عَاطَى كأنهم كانوا يتدافعون ذلك حتى تولاه أشقاها. والمعنى فنادوا صاحبهم نداء المُسْتَغِيث وهو قُدار بنُ سَالف وكان أشجعهم. وقيل : كان رئيسهم. فتعاطى أي آلةَ العقر أو الناقةَ، أو هو عبارة عن الإقدام على الفعل العظيم. وتحقيقه أن الفعلَ العظيمَ يتبرأ منه كُلُّ أحد ويعطيه صاحبَه أو جَعَلُوا لَهُ جُعْلاً فَتعَاطَاهُ.
قال مُحَمَّدُ بن إسْحَاقَ : كمن لها في أصل شجرة على طريقها فرماها فانتظم به عضلة ساقها ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها فخرت ورَغَتْ رغاة واحدة، ثم نَحَرَها.