قال ابن عباس : كان الذي عقرها أحمر أشقر أكشف أقعى يقال له : قُدار بن سالف. والعرب تسمي الجَزَّار قُدَاراً تشبيهاً بقُدار بْنِ سالف مشؤوم آل ثمود، قال مهلهل :

٤٦٠٤- إنَّا لَنَضْرِبُ بالسُّيُوف رُؤُوسَهُمْ ضَرْبَ القُدَارِ نَقِيعَةَ القُدَّامِ
قوله :﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ يريد صيحة جبريل كما تقدم ﴿ فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر ﴾ العامة على كسر الظاء اسم فاعل وهو الذي يتخذه حظيرةً من حَطَب وغيره.
وقرأ أبو السَّمال وأبو حَيْوة وأبو رجاء وعمرُو بن عُبَيْد بفتحها. فقيل : هو مصدر أي كَهَشِيم الاحْتِظَارِ.
وقيل : هو اسم مكان. وقيل : هو اسم مفعول وهو الهَشِيمُ نفسه، ويكون من باب إضافة الموصوف لصفته كمَسْجِدِ الجَامِعِ. والحَظْر المَنْع، وقد تقدم تحريره في « سُبْحَانَ ».

فصل


« كان » في قوله « فكانوا » قيل : بمعنى صاروا كقوله :
٤٦٠٥-............................. كَانَت فِرَاخاً بُيُوضُهَا
أي صارت. والهشيم : المهشوم المكسور، ومنه سمي هاشِمٌ لهشمه الثَّرِيد في الجفان غير أن الهشيم يستعمل كثيراً في الحطب المتكسر اليابس.
قال المفسرون : كانوا كالخشب المُنْكَسِرِ الذي يخرج من الحظائر بدليل قوله :﴿ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرياح ﴾ [ الكهف : ٤٥ ] وهو من باب إقامة الصّفة مقَام الموصوف.
وتشبيههم بالهشيم إما لكونهم يابسين كالموتى الذين ماتوا من زمان، أو لانضمام بعضهم إلى بعض، كما ينضم الرفقاء عند الخوف يدخل بعضهم في بعض، فاجتمعوا بعضهم فوق بعض كما يجمع الحاطب الحَطَبَ يصف شيئاً فوق شيء منتظراً حضور من يشتري منه.
ويحتمل أن يكون ذلك لبيان كونهم في الجحيم أي كانوا كالحطب اليابس الذي للوَقِيد كقوله تعالى :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ [ الأنبياء : ٩٨ ] وقوله :﴿ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً ﴾ [ الجن : ١٥ ].

فصل


ذكر في الآية مباحث :
منها : قوله تعالى :﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾. اعلم أن هذه الآية ذكرت في ثلاثة مواضع ذكرها في حكاية نوح بعد بيان العذاب، وذكرها هنا قبل بيان العذاب، وذكرها في حكاية عاد قبل بيانه وبعد بيانه، فحيث ذكر قبل بيان العذاب فَلِلْبَيَانِ كقول العارف بحكايته لغير العارف : هَلْ تَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ أَمْرُ فُلان؟ وغرضه أن يقول : أخبرني عنه. وحيث ذكرها بعد بيان العذاب ذكرها للتعظيم كقول القائل : ضرب فُلاَنٌ أَيَّ ضَرْب وأيّما ضرب، وتقول : ضَرَبْتُهُ وكَيْفَ ضَرَبْتُهُ أي قويًّا. وفي حكاية عاد ذكرها مرتين للبيان والاستفهام ومنها في حكاية نوح ذكر الذي للتعظيم، وفي حكاية ثمود ذكر الذي للبيان، لأن عذاب قوم نوح كان بأمر عظيم عام وهو الطوفان الذي عم العالم ولا كذلك عذاب قوم ( هود ) فإنه كان مختصاً بهم.

فصل


اعلم أن الله تعالى ذكر في هذه السورة خمس قصص، وجعل القصة المتوسطة مذكورة على أتمِّ وجه؛ لأن حال صالح كان أكثر مشابهةً بحال محمد - عليهما الصلاة والسلام - لأنه أتى بأمر عجيب أَرْضِيٍّ، وكان أعجب مما جاء به للأنبياء، لأن عيسى عليه الصلاةُ والسَّلاَمُ، أحيا الميت لكن الميت كان محلاً للحياة فقامت الحياة بإذن الله في محل كان قابلاً لها وموسى - ﷺ - انقلبت عصاه ثُعْبَاناً فأثبت الله له في الخشب الحياة بإذن الله؛ لكن الخشبة نبات كان له قوة في النمو فأشبه الحيوان في النمو، وصالح - ﷺ - كان الظاهر في يده خروج الناقة من الحجر، والحجر جماد، وليس محلاً للحياة، ولا محلاً للنمو والنبي - ﷺ - أتى بأعجبَ من الكُلِّ، وهو التصرف في الجرْم السَّماويِّ الذي يقول المشرك : لا وصول لأحد إلى السماء، وأما الأرضيات فقالوا : إنها أجسام مشتركة المواد يقبل كلُّ واحد منها صورة الأخرى، والسماوات لا تقبل ذلك فلما أتى بما اعترفوا بأنه لا يقدر على مثله آدَمِيٌّ كان أتم وأبلغ من معجزة صالح - عليه الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ - التي هي أتم من معجزة سَائر الأنبِياء غير محمد - عليه الصَّلاة والسلام -.


الصفحة التالية
Icon