﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ ﴾ [ النساء : ٦٥ ]، ولكن هناك ما لا يمكن القول به هنا، كما أن هنا ما لا يمكن القول به هناك، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - قريب منه في « القيامة » في قراءة ابن كثير :﴿ لأُقْسِمُ بِيَومِ القِيامَةِ ﴾ [ القيامة : ١ ].
قال القرطبي : وقيل :« لا » بمعنى « ألاَ » للتنبيه، كقوله :[ الطويل ]

٤٧١٠- ألا عِمْ صَبَاحاً أيُّهَا الطَّلَلُ البَالِي .......................
ونبَّه بهذا على فضيلة القرآن ليتدبروه، فإنه ليس بشعر، ولا سحر، ولا كهانة كما زعموا.
وقرأ العامة :« بمواقع » جمعاً.
والأخوان :« بموقع » مفرداً بمعنى الجمع؛ لأنه مصدر فوحَّد.
ومواقعها : مساقطها ومغاربها. قاله قتادة وغيره.
وقال الحسن : انكدارها وانتثارها يوم القيامة.
وقيل : المراد نجوم القرآن. قاله ابن عباس والسدي، ويؤيده :« وإنه لقسم » و « إنَّه لقُرآن كريم ».
وقال عطاء بن أبي رباح : منازلها.
وقال الضحاك : هي الأنواء التي كانت أهل الجاهلية، تقول إذا مطروا : مطرنا بنوء كذا.
وقال الماوردي : ويكون قوله تعالى :﴿ فَلاَ أُقْسِمُ ﴾ مستعملاً على الحقيقة من نفي القسم.
وقال القشيري : هو قسم، ولله أن يقسم بما يريد، وليس لنا أن نقسم بغير الله - تعالى - وصفاته القديمة.
قال القرطبي :« ويدلُّ على هذا قراءة الحسن : فلأقسم ».
قوله :« وإنه قسم - لو تعلمون - عظيم ».
الضمير عائد على القسم الذي تضمنه قوله :﴿ فَلاَ أُقْسِمُ ﴾ ؛ لأن « أقسم » يتضمن ذكر المصدر، ولهذا توصف المصادر التي لم تظهر بعد الفعل فيقال :« ضربته قويًّا ».
فإن قيل : جواب « لو تعْلَمُونَ » ماذا؟.
قال ابن الخطيب : ربما يقول بعض من لا يعلم بأن جوابه ما تقدم، وهو فاسد في جميع المواضع؛ لأن جواب الشرط لا يتقدم؛ لأن عمل الحروف في معمولاتها لا يكون قبل وجودها، فلا يقال : زيداً إن قام.
فالجواب يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يقال : الجواب محذوف بالكلية بحيث لا يقصد لذلك جواب، وإنما يراد نفي ما دخلت « لو » فكأنه قال : وإنه لقسمٌ عظيم لو تعلمون.
وتحقيقه : أن « لو » تذكر لامتناع الشيء لامتناع غيره، فلا بُدَّ فيه من انتفاء الأول، فإدخال « لو » على « تعلمون » أفاد أن علمهم منتفٍ، سواء علمنا الجزاء أم لم نعلم.
وهذا كقولهم في الفعل المتعدِّي : فلان يعطي ويمنع، حيث لا يقصد منه مفعولاً، وإنما يراد إثبات القدرة.
الثاني : أنَّ جوابه مقدر، تقديره : لو تعلمون لعظَّمتموه، لكنكم ما عظَّمتموه، فعلم أنكم لا تعلمون، إذ لو تعلمون لعظم في أعينكم، ولا تعظيم فلا تعلمون.
قوله :﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴾.
هذا هو القسم عليه، وعلى هذا فيكون في هذا الكلام اعتراضان :
أحدهما : الاعتراض بقوله :« وإنه لقسم » بين القسم والمقسم عليه.


الصفحة التالية
Icon