قوله :﴿ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم ﴾.
ترتيب الآية الكريمة : فلولا ترجعونها - أي النَّفس - إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين.
و « لولا » الثانية مكررة للتوكيد قاله الزمخشري.
قال شهاب الدين : فيكون التقدير : فلولا فلولا ترجعونها من باب التوكيد اللفظي، ويكون « إذا بلغت » ظرفاً ل « تَرْجعُونها » مقدماً عليه؛ إذ لا مانع منه، أي فلولا ترجعون النَّفس في وقت بلوغها الحُلْقُوم.
وقوله :﴿ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ ﴾.
جملة حالية من فاعل « بلغت ».
والتنوين في « حينئذٍ » عوض من الجملة المضاف إليها أي : إذا بلغت الحلقوم، خلافاً للأخفش، حيث زعم أن التنوين للصَّرف، والكسر للإعراب. وقد مضى تحقيقه.
وقرأ العامة : بفتح نون « حينئذ » لأنه منصوب على الظرف، ناصبه « تنظرون » وعيسى : بكسرها.
وهي مشكلة لا تبعد عن الغلط عليه، وخرجت على الإتباع لحركة الهمزة.
ولا عرف في ذلك، فليس بأبعد من قرأ :« الحَمْدِ لله » بكسر الدال لتلازم المتضايفين، ولكثرة دروهما على الخصوص.
فصل في تحرير معنى الآية
قال المفسرون : معنى الآية فهلا إذا بلغت النفس، أو الروح الحلقوم، ولم يتقدم لها ذكر؛ لأن ذلك معروف.
قال حاتم :[ الطويل ]
٤٧١٤- أمَاويُّ ما يُغْنِي الثَّرَاءُ عن الفَتَى | إذَا حَشْرَجَتْ يَوْماً وضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ |
﴿ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ ﴾ أمري وسلطاني.
وقيل : تنظرون إلى الميت لا تقدرون له على شيء.
قال ابن عباس : يريد من حضر من أهل الميِّت ينتظرون متى تخرج نفسه.
ثم قيل : هو رد عليهم في قولهم لإخوانهم :﴿ لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ ﴾ [ آل عمران : ١٥٦ ]، فهلاَّ ردوا روح الواحد منهم إذا بلغت الحُلْقُوم.
وقيل : المعنى فهلاَّ إذا بلغت نفس أحدكم الحُلْقُوم عند النَّزْع، وأنتم حضور أمسكتم روحه في جسده مع حرصكم على امتداد عمره، وحبكم لبقائه، وهذا رد لقولهم :﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدهر ﴾ [ الجاثية : ٢٤ ].
قوله :﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ ﴾.
يجوز أن يكون حالاً، أي : تنظرون في هذه الحال التي تخفى عنكم.
وأن تكون مستأنفة، فيكون اعتراضاً، والاستدراك ظاهر.
والبصر يجوز أن يكون من البَصِيْرَة، والمعنى : ونحنُ أقرب إليه منكم بالقدرة والعلم والرُّؤية.
قال عامر بن عبد قيس : ما نظرت إلى شيء إلاَّ رأيت الله - تعالى - أقرب إليَّ منه.
وأن يكون من البصر، أي لا تنظرون أعوان ملك الموت، والمعنى : أن رسلنا الذين يتولون قبض روحه أقرب إليه منكم لكن لا ترونهم.
قوله :﴿ فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ﴾.
« إن كنتم » شرط، جوابه محذوف عند البصريين لدلالة « فلولا » عليه، أو مقدم عند من يرى ذلك كما تقدم تقريره.