والمعنى : فهلا كنتم غير محاسبين، ولا مجزيين بأعمالكم، ومنه قوله تعالى :﴿ أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾ [ الصافات : ٥٣ ]، أي : مجزيّون أو محاسبون. وقد تقدم.
وقيل : غير مملوكين، ولا مقهورين.
قال الفراء وغيره : دِنْتُه، ملكته.
قال الحطيئة :[ الوافر ]

٤٧١٥- لَقَدْ دُيِّنْتِ أمْرَ بَنِيكِ حَتَّى تَرَكْتِهِمُ أدَقَّ مِنَ الطَّحِينِ
يعني : مُلِّكْتِ.
ودانه : أي أذله واستعبده، يقال : دنْتُه فدان.
ومنه دانت له البلاد والعباد، وقد تقدم في « الفاتحة » عند قوله « يوم الدِّين ».
قوله :﴿ تَرْجِعُونَهَآ ﴾.
قال أبو البقاء :« تَرْجعُونَها » جواب « لولا » الأولى، وأغنى ذلك عن جواب الثانية.
وقيل : بعكس ذلك.
وقال الزمخشري :« إنّ » لولا « الثانية تكرير ». انتهى.
قال شهاب الدين : وتسمية مثل هذا جواباً ليس بصحيح ألبتة؛ لأن هذه تحضيضية لا جواب لها، إنما الجواب للامتناعية لوجود، نحو :﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ ﴾ [ النور : ٢١ ].
وقال ابن عطية : وقوله :« ترجعونها » سدّ مسدّ الأجوبة والبيانات التي تقتضيها التحضيضيات، وإذا في قوله « فَلوْلاَ إذَا »، وإن المتكررة، وحمل بعض القول بعضاً إيجازاً واختصاراً. انتهى.
فجعل « إذا » شرطية، وقوله بالأجوبة يعني ل « إذا »، ول « إن » في قوله :﴿ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ﴾، ﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾.
والبيانات : يعني الأفعال التي حضض عليها، وهي عبارة قلقة.
قال أبو حيان :« و » إذا « ليست شرطاً، بل ظرفاً يعمل فيها » ترجعونها « المحذوف بعد » فلولا « لدلالة » ترجعونها « في التحضيض الثاني عليه، فجاء التحضيض الأول مقيداً بوقت بلوغ الحلقوم، وجاء التَّحضيض الثاني معلقاً على انتفاء مربوبيتهم، وهم لا يقدرون على رجوعها، إذ مربوبيتهم موجودة فهم مقهُورون، لا قدرة لهم ». انتهى.
فجعل « ترجعونها » المذكور ل « لولا » الثانية، وهو دال على محذوف بعد الأولى، وهو أحد الأقوال التي نقلها أبو البقاء فيما تقدم.
وقوله :﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾.
شرط آخر، وليس هذا من اعتراض الشرط على الشرط نحو :« إن ركبت إن لبست فأنت طالق » حتى يجيء فيه ما تقدم في هذه المسألة؛ لأن المراد هنا : إن وجد الشرطان كيف كانا فهل رجعتم بنفس الميت؟.
[ وقال القرطبي :﴿ ترجعونها إن كنتم صادقين ﴾ يرجع الروح إلى الجسد إن كنتم صادقين، أي : ولن ترجعونها فبطل ] زعمكم أنكم غير مملوكين، ولا محاسبين، و « تَرْجعُونها » جواب لقوله تعالى :﴿ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم ﴾، ولقوله :﴿ فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ﴾ وأجيبا بجواب واحد. قاله الفرَّاء، وربما أعادت العرب الحرفين ومعناهما واحد، ومنه قوله تعالى :﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾


الصفحة التالية
Icon