« فسلام لك » مبتدأ وخبر.
و « من أصحاب ». قال الزمخشري :« فسلام لك يا صاحب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين، أي : يسلمون عليك ».
وقال ابن جرير :« فسلام لك أنت من أصحاب اليمين ».
وهذا يحتمل أن يكون كقول الزمخشري، ويكون « أنت » تأكيداً للكاف في لك، ويحتمل أن يكون أراد أن « أنت » مبتدأ، و « من أصحاب » خبره، ويؤيد هذا ما حكاه قوم من أن المعنى فيقال لهم : سلام عليكم لك إنك من أصحاب اليمين.
وأول هذه الأقوال هو الواضح البين؛ ولذلك لم يعرج أبو القاسم على غيره.

فصل في المقصود بهذا السلام


قال القرطبي :﴿ فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين ﴾ أي : لست ترى منهم إلاَّ ما تحب من السلامة فلا تهتمّ، فإنهم يسلمون من عذاب الله.
وقيل : المعنى : سلام لك منهم، أي : أنت سالم من الاهتمام لهم، والمعنى واحد.
وقيل : إن أصحاب اليمين يدعون لك يا محمد بأن يصلي الله عليك ويسلم.
وقيل : معناه : سلمت أيها العبدُ ممَّا تكره، فإنك من أصحاب اليمين فحذف إنك.
وقيل : إنه يُحَيَّا بالسلام إكراماً.
فعلى هذا في محل السلام ثلاثة أقاويل :
أحدها : عند قبض روحه في الدنيا يسلم عليه ملك الموت. قاله الضحاك.
قال ابن مسعود : إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن، قال : ربك يقرئك السلام.
الثاني : عند مساءلته في القبر يسلّم عليه منكر ونكير.
الثالث : عند بعثه في القيامة يسلم عليه الملك قبل وصوله إليها.
قال القرطبي :« ويحتمل أن يسلم عليه في المواطن الثلاثة، ويكون ذلك إكراماً بعد إكرام ».
قوله :﴿ وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المكذبين ﴾ بالبعث « الضَّالين » عن الهدى، وطريق الحق ﴿ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ ﴾ كما قال :﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضآلون المكذبون لآكِلُونَ ﴾ [ الواقعة : ٥١ - ٥٢ ] إلى أن قال :﴿ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِّنْ حَمِيمٍ ﴾ [ الصافات : ٦٧ ].
قوله :﴿ وَتَصْلِيَةُ ﴾.
قرأ أبو عمرو في رواية اللؤلؤي عنه، وأحمد بن موسى، والمنقري : بجر التاء عطفاً على « حميم »، أي : ونزل من تصلية جحيم.
والمعنى : إدخال في النَّار.
وقيل : إقامة في الجحيم، ومقاساة لأنواع عذابها.
يقال : أصلاه النَّار وصلاه، أي : جعله يصلاها.
والمصدر هنا أضيف إلى المفعول، كما يقال : لفلان إعطاء مال، أي : يعطي المال.
قوله :﴿ إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقين ﴾.
أي : هذا الذي قصصناه محضُ اليقين وخالصه.
وجاز إضافة الحق إلى اليقين، وهما واحد لاختلاف لفظهما، وذلك من باب إضافة المترادفين على سبيل المبالغةِ.
قال المبرد : هو كقولك : عين اليقين وحق اليقين.
فهو من باب إضافة الشيء إلى نفسه عند الكوفيين، وإن كانوا فعلوا ذلك في اللفظ الواحد، فقالوا : صواب الصواب، ونفس النفس مبالغة، فلأن يفعلوا عند اختلاف اللفظ أولى.


الصفحة التالية