قلت :« الواو » الأولى معناها الدلالة على [ أنه الجامع بين الصفتين الأولية ]، والآخرية.
والثالثة على الجامع بين الظُّهور والخفاء.
وأما الوسطى فعلى أنه الجامع بين مجموع الصفتين الأوليين، ومجموع الصفتين الأخريين.

فصل في تفسير الآية


قال القرطبي رحمه الله : اختلف في معاني هذه الأسماء وقد شرحها رسول الله ﷺ شرحاً يغني عن قول كل قائل.
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« اللَّهُمَّ أنْتَ الأوَّلُ فليسَ قَبلكَ شيءٌ، وأنْتَ الآخرُ فليْسَ بعدكَ شيءٌ، وأنْتَ الظَّاهرُ فليس فوقكَ شيءٌ، وأنْتَ الباطنُ فليْسَ دُونَك شيءٌ، اقْضِ عنَّا الدَّينَ، وأغْنِنَا من الفَقْرِ »، عنى بالظاهر الغالب، وبالباطن العالم، والله أعلم.
قوله :﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾.
مما كان أو يكون لا يخفى عليه شيء، وهذا معنى قول ابن عباس.
قال ابن الخطيب : الظَّاهر بحسب الدلائل، والباطن بحسب الحواس.
والقول بأن الباطن هو العالم ضعيف؛ لأنه يلزم منه التكرار في قوله :« وهو بكل شيء عليم بما كان أو يكون ».

فصل في إثبات وحدانية الله


قال ابن الخطيب : احتج كثير من العلماء في إثبات أنَّ الإله واحد بقوله :« هو الأول »، قالوا : الأول هو الفرد السَّابق، ولهذا لو قال : أول مملوك اشتريته فهو حر، ثم اشترى عبدين لم يعتقا؛ لأن شرط كونه أولاً حصول الفردية، وهنا لم تحصل، فلو اشترى بعد ذلك عبداً واحداً لم يعتق؛ لأن شرط الأولية كونه سابقاً، وهاهنا لم يحصل، فثبت أن الشَّرط في كونه أولاً أن يكون فرداً، فكانت الآية دالة على أنَّ صانع العالم فرد.
قوله تعالى :﴿ هُوَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش ﴾.
تقدم [ في « الأعراف » ]، والمقصود منه دلائل القدرة.
﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرض ﴾ أي : يدخل فيها من مطر وغيره.
﴿ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا ﴾ من نباتٍ وغيره.
﴿ وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء ﴾ من رزق ومطر وملك.
﴿ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ﴾ يصعد فيها من الملائكة، وأعمال العباد ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ ﴾ يعني : بقدرته وسلطانه وعلمه.
﴿ أَيْنَ مَا كُنتُمْ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ ينظر أعمالكم ويراها، ولا يخفى عليه شيء منها.

فصل في الكلام على الآية


قال القرطبي : وقد جمع في هذه الآية بين ﴿ استوى على العرش ﴾ وبين « وهُوَ معكُم »، والأخذ بالظَّاهر تناقض فدل على أنه لا بد من التأويل، والإعراض عن التأويل اعتراف بالتناقض.
وقد قال أبو المعالي : إن محمداً ﷺ ليلة الإسراء لم يكن بأقرب إلى الله - تعالى - من يونس بن متَّى حين كان في بطن الحوت. وقد تقدم.


الصفحة التالية
Icon