قوله تعالى :﴿ مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً ﴾. وقد تقدم في « البقرة ».
ندب إلى الإنفاق في سبيل الله.
وقال ابن عطية : هنا بالرَّفع على العطف، أو القطع والاستئناف.
وقرأ عاصم :« فيُضَاعفه » بالنصب بالفاء على جواب الاستفهام، وفي ذلك قلقٌ.
قال أبو علي : لأن السؤال لم يقع على القرضِ، وإنما وقع عن فاعل القَرْض، وإنما تنصب الفاء فعلاً مردوداً على فعل مستفهم عنه، لكن هذه الفرقة حملت ذلك على المعنى، كأن قوله :﴿ مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ ﴾ بمنزلة قوله :« أيقرض الله أحدٌ ». انتهى.
وهذا الذي قاله أبو علي ممنوع، ألا ترى أنه ينصب بعد « الفاء » في جواب الاستفهام بالأسماء، وإن لم يتقدم فعل نحو : أين بيتك فأزورك ومثل ذلك : من يدعوني فأستجيب له، ومتى تسير فأرافقك، وكيف تكون فأصحبك، فالاستفهام إنما وقع عن ذات الدَّاعي، وعن ظرف الزَّمان، وعن الحال لا عن الفعل.
وقد حكى ابن كيسان عن العرب :« أين ذهب زيدٌ فنتبعه، ومن أبوك فنكرمه ».
فصل في المقصود بالقرض
ندب الله تعالى إلى الإنفاق في سبيل الله، والعرب تقول لكل من فعل فعلاً حسناً :« قد أقرض ».
كما قال بعضهم رحمة الله عليه :[ الرمل ]
٤٧١٩- وإذَا جُوزيتَ قَرْضاً فاجزه | إنَّما يَجزي الفَتَى لَيْسَ الجَمَلْ |
قال الكلبي :« قرضاً » أي : صدقة.
« حسناً » أي : محتسباً من قلبه بلا منٍّ ولا أدى.
﴿ فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ﴾ : ما بين سبع إلى سبعمائة إلى ما شاء الله من الأضعاف.
وقيل القَرْض الحسن هو أن يقول : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
وقال زيد بن أسلم : هو النَّفقة على الأهل.
وقال الحسن : التطوُّع بالعبادات.
وقيل : عمل الخير.
وقال القشيري : لا يكون حسناً حتى يجمع أوصافاً عشرة :
الأول : أن يكون من الحلال، لقوله ﷺ :« لا يَقْبَلُ اللَّهُ صلاةً بِغَيْرِ طهُورٍ، ولا صَدَقةً مِنْ غُلُولٍ ».
الثاني : أن يكون من أكرم ما يمكنه؛ ولا يخرج الرديء كقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث مِنْهُ تُنفِقُونَ ﴾ [ البقرة : ٢٦٧ ].
الثالث : أن يتصدق به وهو يحبّه، ويحتاج إليه لقوله تعالى :﴿ لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [ آل عمران : ٩٢ ] وقوله :﴿ وَآتَى المال على حُبِّهِ ﴾ [ البقرة : ١٧٧ ].
وقال ﷺ « أفْضَلُ الصَّدقةِ أنْ تُعْطيَهُ وأنْتَ صَحيحٌ شَحِيحٌ تأمْلُ العَيْشَ ولا تمهلُ حتَّى إذا بلغتِ التَّراقي قُلْتَ : لفُلانٍ كذا، ولفُلانٍ كَذَا ».
الرابع : أن تصرف صدقته إلى الأحوج فالأحوج، ولذلك خص تعالى أقواماً بأخذها، وهم أهل المبهمات.