الخامس : أن تخفي الصَّدقة لقوله تعالى :﴿ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفقرآء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٧١ ].
السادس : ألاَّ يتبعها منًّا ولا أذى، لقوله تعالى :﴿ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بالمن والأذى ﴾ [ البقرة : ٢٦٤ ].
السابع : أن يقصد بها وجه الله تعالى، ولا يُرائِي لقوله تعالى :﴿ إِلاَّ ابتغآء وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى ﴾ [ الليل : ٢٠ ].
الثامن : أن يستحقر ما يعطي وإن كثر؛ لأن الدُّنيا كلها قليلة، قال تعالى :﴿ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ﴾ [ المدثر : ٦ ] في أحد التأويلات.
التاسع : أن يكون من أحبّ الأموال إليه، وأن يكون كثيراً لقوله ﷺ « أفْضَلُ الرِّقابِ أغْلاهَا وأنفَسُهَا عِنْدَ أهْلِهَا ».
العاشر : ألا يرى عزَّ نفسه، وذُلّ الفقير، بل يكون الأمر بالعكس.
﴿ فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ يعني الجنَّة.
قوله تعالى :﴿ يَوْمَ تَرَى المؤمنين ﴾.
فيه أوجه :
أحدها : أنه معمول للاستقرار العامل في « له أجر » أي : استقر له أجر في ذلك اليوم.
الثاني : أنه مضمر، أي : اذكر، فيكون مفعولاً به.
الثالث : أنهم يُؤجَرُون « يوم ترى » فهو ظرف على أصله.
الرابع : أن العامل فيه « يسعى » أي : يسعى نور المؤمنين والمؤمنات يوم تراهم هذا أصله.
الخامس : أن العامل فيه « فيُضَاعفه ». قالهما أبو البقاء.
قوله :« يَسْعَى » حال؛ لأن الرُّؤية بصرية، وهذا إذا لم تجعله عاملاً في « يوم »، و « بين أيديهم » ظرف للسعي، ويجوز أن يكون حالاً من « نورهم ».
قوله :« وبأيمانهم »، أي : وفي جهة أيمانهم.
وهذه قراءة العامة، أعني بفتح الهمزة جمع يمين.
وقيل : الباء بمعنى « عن » أي : عن جميع جهاتهم، وإنما خص الأيمان لأنها أشرف الجهات.
وقرأ أبو حيوة وسهل بن شعيب : بكسرها.
وهذا المصدر معطوف على الظرف قبله، والباء سببية، أي : يسعى كائناً وثابتاً بسبب أيمانهم.
وقال أبو البقاء : تقديره : وبأيمانهم استحقُّوه، أو بأيمانهم يقال لهم : بُشْرَاكُم.
فصل في المراد بهذا اليوم
المراد من هذا يوم المُحاسبة.
واختلفوا في هذا النور.
فقال الحسن : هو الضياء الذي يمرون فيه « بين أيديهم » أي : قدَّامهم.
« وبأيمانهم »، قال الفرَّاء :« الباء » بمعنى « في » أي : في أيمانهم، أو بمعنى :« عن أيمانهم ».
وقال الضحاك : النور هُداهم، وبأيمانهم كتبهم، واختاره الطبري.
أي : يسعى إيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم، وفي أيمانهم كتب أعمالهم، ف « الباء » على هذا بمعنى « في »، ويجوز على هذا أن يوقف على « بين أيديهم » ولا يوقف إذا كانت بمعنى « عن ».
وعلى قراءة سهل بن شعيب وأبي حيوة :« وبإيمانهم » بكسر الألف، أراد الإيمان الذي هو ضد الكُفر، وعطف ما ليس بظرف على الظَّرف لأن معنى الظرف الحال، وهو متعلق بمحذوف.