فصل في كون الفاسق مؤمناً أم لا
قال ابن الخطيب : تقدم في الكلام البشارة عند قوله :﴿ وَبَشِّرِ الذين آمَنُواْ ﴾ [ البقرة : ٢٥ ]. وهذه الآية تدل على أن المؤمنين لا ينالهم أهوال يوم القيامة؛ لأنه تعالى بين أن هذه صفتهم يوم القيامة من غير تخصيص.
قال الكعبي : هذه الآية تدلّ على أن الفاسق ليس بمؤمن؛ لأنه لو كان مؤمناً لدخل تحت هذه البشارة، ولو كان كذلك لقطع بأنه من أهل الجنَّة؛ [ ولما لم يكن كذلك ثبت أنه ليس بمؤمن ].
أجاب ابن الخطيب :[ بأنا نقطع بأن الفاسق من أهل الجنة ]، لأنه إما أن يدخل النار، أو أنه ممن دخلها، لكنه سيخرج منها، وسيدخل الجنة، ويبقى فيها أبد الآباد، فإذن يقطع بأنه من أهل الجنة، فسقط الاستدلال.
قوله :« ذلك الفوز » هذه الإشارة عائدة إلى جميع ما تقدم من النور والبشرى بالجنَّات المخلدة.
قوله :﴿ يَوْمَ يَقُولُ المنافقون والمنافقات ﴾.
العامل في « يوم » « ذلك الفوز العظيم ».
وقيل :« هو بدل من اليوم الأول ».
وقال ابن الخطيب منصوب ب « اذْكر » مقدًّرا.
واعلم أنه لما شرح حال المؤمنين في موقف القيامة أتبع ذلك بشرح حال المنافقين، فقال : يوم يقول.
قوله :﴿ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾. « اللام » للتبليغ.
و ﴿ انظرونا نقتبس من نوركم ﴾ قراءة العامة :« انْظُرونَا أمر من النَّظر ».
وحمزة :« أنْظِرُونا » بقطع الهمزة، وكسر الظَّاء من الإنظار بمعنى الانتظار.
وبها قرأ الأعمش، ويحيى بن وثَّاب، أي : انتظرونا لنلحق بكم، فنستضيء بنوركم.
والقراءة الأولى يجوز أن تكون بمعنى هذه، إذ يقال : نظره بمعنى انتظره، وذلك أنَّه يسرع بالخواص على نُجُب إلى الجنة، فيقول المنافقون : انتظرونا لأنَّا مُشَاة لا نستطيع لحوقكم، ويجوز أن يكون من النظر وهو الإبصار؛ لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم، فيضيء لهم المكان، وهذا أليق بقوله :﴿ نقتبس من نوركم ﴾. قال معناه الزمخشري.
إلاَّ أن أبا حيان قال : إن النَّظر بمعنى الإبصار لا يتعدى بنفسه إلا في الشِّعر، إنما يتعدى ب « إلى ».
قوله :﴿ نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ ﴾ أي : نستضيء من نوركم.
و « القَبَس » : الشعلة من النار أو السِّراج.
قال ابن عبَّاس وأبو أمامة : يغشى الناس يوم القيامة ظلمة.
قال الماوردي : أظنّها بعد فصل القضاء، ثم يعطون نوراً يمشون فيه.
قال المفسّرون : يعطي الله كل أحد يوم القيامة نوراً على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط، ويعطي المنافقين [ نوراً خديعة لهم، بدليل قوله تعالى :﴿ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾ [ النساء : ١٤٢ ].
وقيل : إنما يعطون النور؛ لأن جميعهم أهل دعوة ] دون الكافر، ثم يسلب المنافق نوره لنفاقه. قاله ابن عباس.
وقال أبو أمامة : يعطى المؤمن النور، ويترك الكافر والمنافق بلا نور.