فصل في المراد بالفدية
قوله :﴿ فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ﴾ أيها المنافقون، ﴿ ولا من الذين كفروا ﴾ أي : أيأسهم من النَّجاة. والمراد بالفدية قيل : لا يقبل منكم إيمان، ولا توبة؛ لأن التكليف قد زال وحصل الإلحاد.
وقيل : لا يقبل منكم فدية تدفعون بها العذاب عن أنفسكم كقوله تعالى :﴿ وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ ﴾ [ البقرة : ١٢٣ ]، والفدية : ما يفتدى به، فهو يتناول الإيمان والتوبة والمال.
قال ابن الخطيب : وهذا يدلُّ على أن قبُول التَّوبة غير واجب عقلاً على ما يقوله المعتزلة؛ لأنه - تعالى - بين أنه لا يقبل الفدية أصلاً، والتوبة فدية، فتكون الآية دالة على أنَّ التوبة غير مقبولة أصلاً، وإذا كان كذلك لم تكن التوبة واجبة القبول عقلاً.
قوله :﴿ وَلاَ مِنَ الذين كَفَرُواْ ﴾.
عطف الكافر على المنافق، والعطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، فيقتضي أن يكون المنافق كافراً؟.
وأجيب بأن المراد منه الذين أظهروا الكفر، وإلاَّ فالمنافق كافر.
قوله :﴿ مَأْوَاكُمُ النار ﴾ أي : هي مصيركم.
وقوله :﴿ هِيَ مَوْلاَكُمْ ﴾ يجوز أن يكون مصدراً أي : ولايتكم، أي : ذات ولايتكم.
قال القرطبي :« تملك أمرهم، بمعنى أن الله - تعالى - يركب فيها الحياة والعقل، فهي تتميز غيظاً على الكُفَّار، ولهذا خوطبت في قوله تعالى :﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴾ [ ق : ٣٠ ].
ويجوز أن يكون مكاناً، أي : مكان ولايتكم، وأن يكون بمعنى أولى بكم، كقوله تعالى :﴿ هِيَ مَوْلاَكُمْ ﴾ قاله الكلبي، وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة ».
قال ابن الخطيب : وهذا الذي قالوه معنى، وليس تفسيراً للفظ، لأنه لو كان « مولى وأولى » بمعنى واحد في اللغة لصحّ استعمال كل واحد منهما مكان الآخر، وكان يجب أن يصحّ أن يقال : هذا أولى فلان، كما يقال : مولى فلان، ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنًى، وليس بتفسير، وإنما نبَّهنا على هذه الدقيقة؛ لأن الشريف المرتضى لما تمسك في إمامة علي - رضي الله عنه - بقوله ﷺ :« مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فعليٌّ مَولاهُ » قال : أحد معاني « مولى » أنه أولى. واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية، بأن « مولى » معناه « أولى » إذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه؛ لأن ما عداه إمَّا بَيِّنُ الثبوت ككونه ابن العم والنَّاصر، أو بَيِّنُ الانتفاء كالمعتِق، والمعتَق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى الثاني كذباً.
قال ابن الخطيب رحمه الله : وأما نحن فقد بيَّنا بالدليل أن قول هؤلاء في هذا الموضع معنى لا تفسير، وحينئذ يسقط الاستدلال به.
وفي الآية وجه آخر، وهو أن معنى قوله :« هي مولاكم » أي : لا مولى لكم؛ لأن من كانت النار مولاه، فلا مولى له، كما يقال : ناصره الخذلان ومعينه البكاء، أي : لا ناصر له ولا معين، وهذا متأكد بقوله تعالى :