﴿ وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ ﴾ [ محمد : ١١ ]، ومنه قوله تعالى :﴿ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كالمهل ﴾ [ الكهف : ٢٩ ].
وقوله :﴿ وَبِئْسَ المصير ﴾ أي : هي، ومعناه : ساءت مرجعاً ومصيراً.
قوله :﴿ أَلَمْ يَأْنِ ﴾.
قرأ العامة :« ألم ». وقرأ الحسن وأبو السمال :« ألمَّا ».
وأصلها « ألم » زيدت عليها « ما »، فهي نفي كقول القائل : قد كان كذا، و « لم » نفي، كقوله : قد كان كذا.
وقوله :﴿ أَن تَخْشَعَ ﴾. فاعل « يأن »، أي : ألم يقرب خشوع قلوبهم ويحينُ؛ قال الشاعر :[ الطويل ]

٤٧٢٠- ألَمْ يَأنِ لِي يا قَلْبُ أنْ أتْرُكَ الجَهْلاَ وأنْ يُحْدِثَ الشَّيْبُ المُبِيْنُ لنَا عَقْلا
وماضيه « أنى » بالقصر « يأني ».
ويقال :« آن لك - بالمد - أن تفعل كذا يَئِينُ أيْناً » أي : مثل « أنى لَكَ » وهو مقلوب منه.
وأنشد ابن السِّكِّيت :[ الطويل ]
٤٧٢١- ألَمَّا يَئِنْ لِي أنْ تُجَلَّى عَمايَتِي وأقْصُرُ عَنْ لَيْلَى بَلَى قَدْ أنَى لِيَا
فجمع بين اللغتين.
وقرأ العامة :« يأن » مضارع « أنى » أي : حان وقرب، مثل رمى يرمي.
والحسن :« يئن » مضارع « آن » بمعنى « حان » أيضاً، مثل :« باع يبيع ».
و « اللام » للتبيين. قاله أبو البقاء، فعلى هذا يتعلق بمحذوف، أي : أعني للذين.

فصل في نزول هذه الآية


في « صحيح مسلم »، عن ابن مسعُود قال : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمنوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الحق ﴾ إلا أربع سنين.
قال الخليل : العِتَاب مخاطبة الإذلال، ومذاكرة الموجدة. تقول : عاتبت معاتبة.
« أن تخْشعَ »، أي : تذل وتلين ﴿ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الحق ﴾.
« وروي أن المزاح والضحك كثر في أصحاب رسول الله ﷺ لما ترفهوا ب » المدينة « فنزلت الآية، ولما نزلت هذه الآية قال ﷺ :» إنَّ الله يَسْتَبْطِئكُمُ بالخُشُوعِ « فقالوا عند ذلك : خشعنا ».
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إنَّ الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن.
وقيل : نزلت في المنافقين بعد الهجرة، وذلك لما سألوا سلمان أن يحدثهم بعجائب التوراة، فنزلت :﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين ﴾ [ يوسف : ١ ] إلى قوله :﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص ﴾ [ يوسف : ٣ ] فأخبرهم أن القصص أحسن من غيره، وأنفع لهم، فكفُّوا عن سلمان، ثم سألوه مثل الأول، فنزلت :﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمنوا ﴾ [ الآية، فعلى هذا التأويل يكون ﴿ فالذين ءَامَنُواْ ﴾ في العلانية باللسان ].
وقال السُّدي وغيره :﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمنوا ﴾ بالظَّاهر وأسرُّوا الكفر ﴿ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله ﴾.


الصفحة التالية
Icon